«ما هو المجتمع المدني؟»

دراسة تعرض أهم التعريفات الرئيسة لهذا المجتمع في الفكر الأوروبي

نشر في 14-01-2018
آخر تحديث 14-01-2018 | 00:00
تمتد جذور المفهوم المعاصر لمصطلح المجتمع المدني زمانياً ومكانياً إلى دول أوروبا الغربية في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر الميلادية، وبدأت الكتابات التنظيرية الرئيسة بالظهور في إنكلترا أولاً، لتنتقل بعدها إلى اسكتلندا وألمانيا.

وتقتصر هذه الدراسة على التعريف بالمحطات التأصيلية والتنظيرية الرئيسة لمصطلح المجتمع المدني، التي تصدى لها أكبر منظّريه، وهم الإنكليزيان توماس هوبز وجون لوك والاسكتلندي آدم فيرغسون، وصولاً إلى الألمانيين جورج هيغل وفرديناند توينيس.

وتوفر نوعاً من الإطار العام والملامح الرئيسة لتعريفات المجتمع المدني عبر الرجوع للمصادر الأساسية، وبما أن موضوع المجتمع المدني متشعّب ومترامي الأطراف، والكتابات حوله يصعب حصرها والإحاطة بها في كتاب ضخم، فضلاً عن أن هذه الورقة معدودة الصفحات، فقد تعمَّد الكاتب التلخيص والاختصار، لأن هذه الورقة موجهة بالأساس للناشطين في هذا الميدان وللمهتمين به من غير المتخصصين، ليتصوروا ويستوعبوا أبعاده أولاً، ثم ليعملوا في وسطه وباتجاهه على هدى وبصيرة.

يعرف المجتمع المدني في الأدبيات العلمية الغربية، من خلال بيان الحالة المخالفة والمناقضة له على هيئة ثلاث ثنائيات متضادة وهي:

1- التضاد بين المجتمع الطبيعي والمجتمع المدني

المجتمع المدني هو وضع يناقض نمط العيش في حالة الطبيعة في الأدبيات المبكرة لنظرية العقد الاجتماعي، كما وضعها وأصَّل لها المفكران الإنكليزيان توماس هوبز وجون لوك.

كان توماس هوبز هو أول من أطلق وصف ومسمى حالة الطبيعة على نوع من الحياة العامة التي يحياها الناس قبل التحول للحالة المدنية، وذلك ضمن المقدمات التي طرحها كلوازم لنظريته للعقد الاجتماعي، والبشر وفقاً لطروحاته في المرحلة الطبيعية يعيشون ويتصرفون على سجيتهم وهواهم لتحقيق مصالحهم؛ لأنهم أنداد متساوون ومتكافئون. لكن نظراً لشح الموارد ومحدوديتها والتنافس المحموم عليها مع عدم وجود سلطة قادرة على ضبط التعاملات فيما بينهم وإجبارهم على التعاون للإفادة من الموارد الضئيلة بعدالة، فقد أصبحت حالة الطبيعة جحيماً لا يُطاق، وهكذا أصبح كل إنسان يخشى على نفسه وممتلكاته من اعتداءات الآخرين.

ويفترض هوبز أن الناس بحكم أنهم شديدو الحرص على تأمين حياتهم ومعاشهم، فقد استنتج أن حالة الطبيعة هي أسوأ وضع يمكن أن يعيش فيه هؤلاء الناس، فهي حالة حرب مستمرة لا فكاك منها، ولأن البشر بطبيعتهم عقلاء، فإنهم يدركون أن المخرج من هذه الحالة المُزرية بالتعرف على قوانين الطبيعة واتباعها، وهي القوانين التي تدلهم على الوسائل التي يستطيعون بها النجاة من شرور حالة الطبيعة وتكوين مجتمع مدني.

وأول وأهم قوانين الطبيعة هو الذي يوجب على كل فرد أن يفضل العيش بسلام عندما يجنح الآخرون لذلك، مع الاحتفاظ بحق اللجوء إلى خيار استخدام القوة، وخوض الحرب عندما لا يرضى الآخرون بالسلم. ولأن البشر عقلاء، فيمكنهم أن يتوافقوا على إنشاء عقد اجتماعي فيما بينهم، يتيح لهم العيش في نمط من الحياة يخالف ما ألفوه.

وفي رأي هوبز يتكوَّن هذا العقد الاجتماعي من مبدأين أساسيين: الأول، أنه لابد أن يتفق الناس ويتعاقدوا على تكوين مجتمع عبر التخلي جماعياً، وبشكل متبادل، عن الحقوق والمطالبات والمظالم والثارات التي لهم تجاه الآخرين، والتي ورثوها عن المعيشة في حالة الطبيعة. والمبدأ الثاني، أن يوكلوا إلى شخص أو مجموعة أشخاص صلاحية وسلطة الإلزام بهذا العقد الاجتماعي الضروري.

والعقد الاجتماعي هو المصدر الجوهري لكل ما هو حسن وإيجابي، وما يُعتمد عليه من أصول لكي يحيا الناس حياة طيبة، والخيار المتاح أمامنا هو أن نلتزم بشروط هذا العقد، أو أن نرجع إلى حمأة حالة الطبيعة أو شريعة الغاب، لأنه لا يوجد إنسان عاقل يفضِّل العيش في كنفها.

تنافس غير محدود

ويرى جون لوك، الذي تناول نظرية العقد الاجتماعي، وطوَّرها بعد توماس هوبز، أن حالة الطبيعة تعني وضعاً من التنافس غير المحدود المؤدي إلى الجنوح للتهديد باستعمال القوة والعنف لحسم النزاعات، كما أنها تمثل مأزقاً تتصادم فيه إرادات الأفراد والجماعات بشأن كيفية التصرف مع الآخرين، بحيث لا يوجد مخرج من النزاع وحله، كما لا توجد إجابة للتساؤل المطروح «من سيكون الحَكَم الفصل؟».

ويؤكد كذلك أن المجتمع المدني هو حالة ووضع خالٍ من هذه الفوضى العارمة قدر الإمكان؛ فالحالة المدنية هي وضع تتوافر فيه وتسوده قوانين سارية وقضاة مستقلون وسلطة تنفيذ فاعلة، ويعتبر ذلك الوضع، إذا ما تحقق، إنجازاً سياسياً ومدنياً متقدماً، وإن كان يتم بوتيرة وشكل غير مضمونين.

كما أن المجتمع المدني في رأيه ليس كياناً نمطياً، أو من شاكلة واحدة، بل هو ببساطة يتكون من مجموع الأفراد المتمدنين والمتحضرين.

وهناك شروط تمثل الحد الأدنى الضروري لوجود المجتمع المدني والمتحضر، منها: وجود نظام سياسي نيابي، ووجود نظام لحقوق الملكية الخاصة، والسماح بحرية العبادة.

2 - المجتمع المدني والدولة:

وهو اختلاف المجتمع المدني عن الدولة وتمايزه عنها بمكوناتها ووظائفها، ويشيع استخدام هذا النوع من تعريفات المجتمع المدني في كل الطروحات والكتابات الليبرالية.

فتوماس هوبز سبق أن أكد، في معرِض صياغته لنظرية العقد الاجتماعي، أن الدولة بحد ذاتها تُعتبر «رابطة مدنية» لا غنى عنها، بل يُعتبر تأسيسها إنجازاً مدنياً جماعياً وعقلانياً ضخماً.

وجاء جون لوك من بعده، وأشار إلى وجود تمايز من حيث المبدأ بين الدولة والمجتمع المدني، وذلك عندما صوَّر الدولة كأداة حتمية لضمان وتأمين وجود نظام عام يستطيع عموم الأفراد من خلاله أن يمارسوا حياتهم دون مضايقة، وتُفرز تلك الممارسة بدورها حضارة إنسانية.

لكن بلورة هذا التمايز بين الدولة والمجتمع المدني بشكل أوضح تتطلب مرور ما يزيد على خمسين عاما من التطورات، كما تم ذلك في بيئة مغايرة لإنكلترا، وهي اسكتلندا، التي كانت تمر بحقبة التنوير الاسكتلندي، التي امتدت بين عامي 1748 و1785.

وأولى آدم فيرغسون، وهو أحد أقطاب حركة التنوير الاسكتلندي، مفهوم المجتمع المدني عناية خاصة، حيث ألَّف كتابا عنه في عام 1767 أسماه «مقال عن تاريخ المجتمع المدني»، ويرى فيه أن المجتمع المدني هو النتاج والمحصلة التراكمية للأفعال البشرية التي أفرزت نتائج متشابكة وغير مقصودة وغير متوقعة.

وهناك موضوعان رئيسان يتخللان طروحات فيرغسون بشأن المجتمع المدني، هما: اعتماده على الطبيعة النشطة للناس، والنمو التدريجي لاجتماعهم دون تخطيط مُسْبق وبشكل غير متوقع.

ولعل أهم ما جاء في كتابه عن هذا المجتمع هو نقده وتفكيكه وتفنيده للغة والثقافة القدَرية السائدة وقتها، واستبدالها بطروحات تؤكد المسؤولية السياسية للفرد وتُعْلِي من شأنها، لأنه يرى أن تحقيق سعادة الأفراد هو الغاية والمحصلة النهائية للمجتمع المدني.

كان فيرغسون في استعماله لمصطلح المجتمع المدني معنيا بتتبع الظهور التدريجي لملامحه وسِماته الأساسية، وتتمثل تلك السمات في وجود نطاق وتشكيلة من المؤسسات السياسية والتعاملات الاجتماعية المرتبطة ببعضها بأواصر غير منظمة.

ووضع هيغل آراءه الفلسفية السياسية وصاغها ونشرها في خضم حراك وصراع سياسي مصيري محتدم عاناه بلده (مملكة بروسيا) منذ بداية القرن التاسع عشر بعد الهزيمة النكراء والانهيار السريع للدولة البروسية أمام فرنسا الثورية، بقيادة الإمبراطور نابليون بونابرت، في معركة جينا أو يينا عام 1806، وكشفت المعركة والهزيمة عن مدى تخلف بروسيا في كل المجالات وحاجتها الماسة إلى إدخال إصلاحات اجتماعية وعسكرية وسياسية، لا سيما في نمط الإدارة الحكومية.

عمل هيغل أستاذاً للفلسفة في جامعة برلين منذ 1818 حتى وفاته عام 1831، وهي (الجامعة) إحدى ساحات هذا الصراع الفكري والسياسي الإصلاحي المحتدم، وراجع مخطوطة كتابه المقرر «مقومات فلسفة الحق»، الذي طرح فيه فكرة المجتمع المدني، وكتب له مقدمة جديدة في يونيو 1820، ونشره في أوائل عام 1821، ويُعتبر هذا الكتاب آخر مؤلفاته الكبرى.

كان هيغل مؤيدا للعديد من السياسات الاجتماعية والسياسية الإصلاحية في بلده بروسيا وزمانه (الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي)، وطرح فكرة المجتمع المدني كمفهوم أو صيغة مُبتكَرَة ضمن مجال أو فضاء الروح الموضوعية التي يمكن من خلالها أن تزدهر الحرية الشخصية للأفراد.

وأورد هذا التنظير حول المجتمع المدني في الجزء الثالث من كتابه (مقومات فلسفة الحق)، حيث خصص القسم الثاني في هذا الجزء للمجتمع المدني، بعد أن خص الأسرة بالقسم الأول، وأتبعه بالقسم الثالث الذي تناول فيه الدولة.

وصوَّر هيغل المجتمع المدني كفضاء أو مجال للنشاط الاجتماعي والاقتصادي العام يتم استحداثه بين نطاق الأُسْرة والكيان الرسمي للدولة، وأكد أن المجتمع المدني ذاته يستلزم ويقتضي وجود مؤسسات وكيانات اعتبارية تتجاوز الأغراض والأهداف الشخصية للأفراد، ويرى كذلك وجوب تنظيم المجتمع المدني في مؤسسات أو كيانات أو هيئات ذات شخصية قانونية اعتبارية أو معنوية تعترف بها الدولة.

3– المجتمع المدني والجماعة القرابية:

الثنائية المتضادة الثالثة والأخيرة التي يُعرف المجتمع المدني من خلالها هي مخالفته وتمايزه عن الجماعة القرابية، وتقوم الجماعة القرابية على روابط القُرْبى بالنسب والمصاهرة، وينطبق ذلك على الأُسرة والقبيلة، ويطلق عليها إجمالا مصطلح ذوي القُرْبى أو الأقربين.

وكان عالم الاجتماع الألماني فرديناند توينيس أبرز مَن أطلق مصطلح الجماعة القرابية وميَّزها عن المجتمع المدني، وأصَّل لها بشكل منهجي في علم الاجتماع الحديث في كتابه المشهور (الجماعة القرابية والمجتمع المدني)، وسعى في كتابه هذا إلى طرح إطار منهجي لا زمني لتحليل وبيان لبنات البناء الرئيسة لأي مجتمع بشري.

وضمَّ الكتاب ثلاثة أقسام: تناول في القسم الأول منه الترتيبات الاجتماعية-الاقتصادية المتناقضة السائدة في «الجماعة القرابية» الصغيرة الحجم، وفي «المجتمعات المدنية» الكبيرة الحجم والقائمة على أساس اقتصادات السوق. وطرح في الثاني بياناً نوعين متناقضين من الذكاء والعقلانية البشرية. أما الثالث، فقد فصل فيه المؤسسات المتضادة أو المتقابلة والمبادئ التي تقوم عليها في مجالات السياسة والحكومة والقانون.

يرى توينيس في القسم المتعلق بالإرادة البشرية أن كل النشاط البشري الواعي، الممتد من الحركات اللاإرادية للعضلات، وصولا إلى التجريد العقلي الرفيع، إنما يرجع في المآل الأخير إلى سعي الفرد لإشباع «شهواته».

وفي قسم الكتاب المخصص للترتيبات الاجتماعية- الاقتصادية المتناقضة السائدة في الجماعة القرابية والمجتمعات المدنية، ألقت التركيبة الثنائية أو المزدوجة للروح البشرية لدى توينيس ظلالا كثيفا على طروحاته بشأن التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، بل تمازجت معها بشكل كلي.

إن التمايز بين هذين النمطين من أنماط الاجتماع البشري هنا يكون بين جماعة قرابية «عضوية» مرتبطة ببعضها بأواصر القُربى، والصحبة أو الصداقة، والعُرف، والتاريخ والمُلْك المشاع للموارد والمُمْتلكات الأساسية، وبين مجتمع مدني «ميكانيكي» يتفاعل ويتعامل فيه الأفراد المستقلون مع بعضهم بمعيار المصلحة الذاتية، والعقود التجارية، وبنوع من الوعي المتبادل «المكاني»، بدلا من «التاريخي»، ووفق قيود خارجية رادعة مصدرها القوانين الرسمية السارية.

ويمكن التعرف على مثل هذه الثنائيات المتقابلة وملاحظتها في كل مجالات الوجود، بدءا من العلاقات الاقتصادية، وصولا إلى أعمق نقطة في تراكيب وتضاعيف الفكر البشري. فالإنتاج المادي لدى الجماعة القرابية يكون مخصصا أساسا «للاستهلاك» لا «الكسب»، ويكون مرتبطا أساسا بحاجات الجماعة وموجها لتلبيتها، ويستثنى من ذلك السلع والخدمات البسيطة، كما أن الفنون والدين يُعتبران جزءاً لصيقاً غير قابل للفصل عن الممارسات النمطية المعتادة في الحياة المنزلية والمهنية والحضرية.

هذه الثنائيات المتقابلة لدى الجماعة القرابية والمجتمع المدني تنسحب بالضرورة على عوالم السياسة والفقه والحقوق والقانون وتشيع فيها، وهي التي أسماها توينيس «التراث المشترك»، وخصص لها القسم الثالث من كتابه (الجماعة القرابية والمجتمع المدني).

كما يشترك المجتمع المدني كنظام لممارسة السياسة بالعديد من الأشكال الظاهرية مع الجماعة القرابية، لكن جوهر هذه الأشكال الظاهرية مختلف تماماً، وشيوع نمط الأفراد «النشطاء العقلانيين» السائد في المجتمع المدني والذين يتصفون بالاستقلال ويغلب عليهم التوجس والارتياب والحريصين على تعظيم ثرواتهم ومكاسبهم الشخصية لا يمكن أن يتوقعوا مطلقاً أن يشكلوا بذواتهم شخصية «طبيعية» موحدة، لكن ضرورات الأعمال التجارية أملت على كل واحد منهم الحاجة للجوء إلى نوع من سلطة أعلى، للإلزام بالوفاء بما تتضمنه بنود العقود المُبرمة مع مواطنيهم الآخرين.

المجتمع المدني والديمقراطية

لقد تمت عولمة فكرة المجتمع المدني مثلما حدث لفكرة الديمقراطية قبلها والتسليم بهما، وأصبح التأصيل الأوروبي الغربي لهما المسطرة والمعيار الذي يتم الرجوع إليه واستنساخه عند تناولهما والحديث والتأليف عنهما في العالم الثالث.

ويتفرع النقاش والتداول حول المجتمع المدني في العالم الثالث من قضية الديمقراطية، رغم أن المجتمع المدني يتمايز عنها، بحيث لا يمكن اختزاله بها أو الاستعاضة عنه بمناقشة العمل السياسي الديمقراطي وآلياته فقط.

وترتبط الديمقراطية بفكرة المجتمع المدني بطريقتين، هما:

أ- أنه من أجل أن تتم ممارسة الديمقراطية بطريقة سليمة، لا يكفي أن تكون هناك إجراءات لحكم الأغلبية، لكن يجب أن تكون هذه الأغلبيات من نوع معيَّن، فالأغلبيات المنتمية إلى الجماعات القرابية ينشأ عنها نوع من الالتزام والولاء الجمعي الكلي (أو العصبية) الذي من شأنه أن يؤدي عند تفعيله واستثارته إلى جعل القواعد المؤسسية الرسمية المنظمة للعمل الديمقراطي شكلية ولا معنى لها بالنسبة إلى الأقليات.

ب- لكي تكون الالتزامات والولاءات مستقلة ومتمايزة، فعلى الأفراد أن ينظروا لأنفسهم باعتبارهم يتمتعون بكيان ذي نزعة فردية حداثية، وأن يعيشوا حياتهم في أُطُر مختلفة ومتنوعة، وأن تتشكل توجهاتهم وتتغيَّر وفق قناعاتهم وإراداتهم المستقلة، فالإدارة السليمة للدولة الدستورية الحديثة لا تتطلب تمايزاً بين مكونات الدولة والمؤسسات الأخرى في المجتمع فقط، بل ان يتم أيضا تنظيم نطاق الجمعيات غير الحكومية وفق مبادئ المجتمع المدني ومقتضياته.

مفهوم المواطنة ومكوناتها

تمت بلورة فكرة المواطنة ومفهومها والتنظير لها على يد عالم الاجتماع البريطاني توماس همفري مارشال ضمن محاضرته الشهيرة التي ألقاها في جامعة كامبردج عام 1949، وعنوانها «المواطنة والطبقة الاجتماعية»، والذي طرح في محاضرته تحليلا وتأصيلا لما تعنيه المواطنة، وأشار إلى أن المواطنة تتألف من ثلاثة عناصر أو مكونات: هي عنصر مدني، وآخر سياسي، وثالث اجتماعي.

1- المكون المدني: هو عبارة عن مجموع الحقوق الضرورية واللازمة لحرية الفرد، وتشمل: الحرية العامة للإنسان، وحرية الإيمان والفكر والتعبير، وحرية التملك، وحق الدخول في عقود صحيحة، وحق التمتع بالعدالة، الذي يُعد نمطا مختلفا عن الحقوق الأخرى، لأنه حق يتصل بإثبات كل حقوق الفرد، والدفاع عنها، بشرط تحقيق المساواة مع الآخرين، وفقا لمسطرة القانون العادلة، وأقرب المؤسسات ارتباطا بالحقوق المدنية هي مؤسسات السلطة القضائية.

2- المكون السياسي: يتمثل بحق المشاركة في تولي مسؤولية سياسية كعضو في هيئة مُنتخَبة تتمتع بصلاحيات سياسية، أو كناخب يختار وينتخب أعضاء هذه الهيئة أو السُلْطة السياسية، والمؤسسات ذات الصلة بهذا الحق السياسي هي البرلمان أو مجلس الأمة أو الشعب ومجالس الحكومات المحلية.

3- المكون الاجتماعي: يتمثل بنطاق الحقوق العريضة الممتدة من حق الحصول على قدر معقول من الأمن والرفاهية الاقتصادية، وصولاً إلى حق المشاركة والتمتع الكاملين في الموروث الاجتماعي المشترك، وأن يعيش الفرد حياة إنسان متمدن ومتحضر، طبقا للأعراف السائدة المُتعارف عليها في المجتمع، وأكثر المؤسسات التصاقا بهذه الحقوق هي مؤسسات النظام التعليمي وقطاع الخدمات الاجتماعية.

المجتمع المدني هو وضع يناقض نمط العيش في حالة الطبيعة بالأدبيات المبكرة لنظرية العقد الاجتماعي

توماس هوبز أول من أطلق وصف ومسمى «حالة الطبيعة» على نوع من الحياة العامة التي يحياها الناس

جون لوك يرى أن حالة الطبيعة تعني وضعاً من التنافس غير المحدود المؤدي إلى الجنوح للتهديد باستعمال القوة والعنف لحسم النزاعات
back to top