In the Fade... عالم مقلق من الإرهاب والكراهية

نشر في 11-01-2018
آخر تحديث 11-01-2018 | 00:00
يغوص الفيلم الجديد للمخرج التركي الألماني فاتح أكين في عالم النازية الجديدة، والهجرة، والشك، والأسئلة المربكة عما إذا كانت امرأة تستطيع العثور على الراحة في الانتقام بعدما قتلت قنبلة إرهابية زوجها وابنها الصغير.
يجيد أكين تصوير التصادم بين الثقافات وتعقيدات الخيانة.
يتناول فيلمه In the Fade القوي والمؤثر ما يجمعنا ويفرقنا في زمن التطرّف وظهور مقاتلي اليمين البديل.
تهيم بطلة القصة كاتيا (ديانا كروغر) في حالة من الغموض المقلق، متأرجحةً بين معضلة أخلاقية وخسارة مؤلمة، في رواية تجمع التشويق النفسي مع التأمّل في العدالة.
يكشف الفيلم الألماني In the Fade صورة كاتيا المتبدّلة فيما تسعى إلى الانتقام لموت ولدها وزوجها الكردي على يد متطرفين يمينيين في هامبورغ.

استوحي هذا الفيلم، الذي رُشح لجائزة «غولدن غلوب» وأُدرج في اللائحة القصيرة لجائزة أوسكار أفضل عمل بلغة أجنبية، من سلسلة جرائم ارتكبها نازيون جدد.

يصوّر In the Fade قارة أوروبية أدّى فيها ملايين اللاجئين والمهاجرين من دول إسلامية وأفريقية إلى نهوض الأحزاب الشعبوية اليمينية وزعزعة السياسات من الدنمارك إلى هنغاريا.

يذكر مخرج الفيلم التركي الألماني فاتح أكين البالغ من العمر 44 سنة: «شهدتُ طوال حياتي اعتداءات نفّذها نازيون جدد في ألمانيا. بدأت في ثمانينيات القرن الماضي مع الحليقي الرأس. ولطالما شعرتُ بأن هذه اعتداءات شخصية ضدي. لذلك احتجت إلى عملية تطهير. لذا أعددت هذا الفيلم. ولكن تحوّل مشروعي إلى عمل يلائم العالم بأسره، بما فيه الولايات المتحدة».

يضيف: «برزت هذه الحاجة إلى التطهير في كل مكان. لا يُعتبر ما حدث في مسيرة النازية الجديدة في شارلوتسفيل بفرجينيا مجرد مصادفة. نعيش في عالم تسوده العولمة. ويرتبط ما شهدناه في الولايات المتحدة بما حدث في ألمانيا».

تدرك ديانا كروغر جيداً مدى جاذبية عبث أكين. تخبر: «كنا نصور لليالٍ متتالية وكنا منهكين. قال: أتعرفون؟ أعتقد أننا سنذهب إلى كان مع هذا الفيلم. فأجبته: لا أظن ذلك. وتراهنا على أنني سأحصل على وشم على شكل مرساة، التي تشكّل رمز بلدته في هامبورغ، في حال تحقّق ذلك». تتوقف هذه الممثلة قليلاً ثم تضيف: «وهكذا حصلت على وشم مرساة»، بعدما فازت بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي.

قيود الآخر

منذ فيلمه Head On الذي نال أصداء دولية عام 2004 وروى قصة حبّ بين شخصين لا قواسم مشتركة بينهما تدور في إطار من الغضب والتوقعات الثقافية، استكشف أكين قيود «الآخر»، وأفراحه، وخسائره.

تناول في كثير من أعماله أحياء ألمانيا المعزولة، عاكساً في الوقت عينه عبء التقاليد التي حملها ذووه معهم من تركيا. وهكذا خلطت أفلامه، بما فيها The Edge of Heaven عن شخصيات مضطربة مترابطة تبحث عن بارقة عزاء، بين الميول المندفعة القوية وبين لحظات غير متوقعة من الرقة تبدو أشبه بأزهار غريبة لا تُنسى تنبت من الفوضى.

متطرفون

لكن In the Fade، يبدو الأقرب إلى أفلام هوليوود بين أعمال أكين. يروي الفيلم، الذي يُسرد على ثلاثة أجزاء، قصة كاتيا التي تؤدي كروغر دورها بقوة وحِدة ويأس محطّم. تنتقل كاتيا من حزن منزلها المظلم إلى نور دار المحكمة القوي، ومنه إلى سواحل اليونان الحارقة حيث تلاحق المتطرفين الذين قتلوا عائلتها.

تغرق في معضلة أخلاقية تسأل فيها: كيف يستطيع الإنسان مواجهة الشر والاقتصاص من المجرم عندما تخفق الشرطة والادعاء العام؟

وعن الخيار الذي تواجهه كاتيا، يقول أكين: «فيلمي مختبر. لا أؤمن بأن الانتقام هو الحل لأن الدوامة لن تتوقف. يشبه هذا مبادئ الفيزياء. تشكّل هذه طاقة لن تكفّ عن التأرجح ولن تختفي مطلقاً، بل تتخذ شكلاً آخر. لا بأس في السينما ألا يكون الإنسان منطقياً. لكن المجتمع يتوقع منك أن تكون كذلك. وهنا يكمن الصراع».

الفن عابر للحدود

يقاوم أكين، الذي ولد في عائلة تركية مسلمة، وترعرع في هامبورغ، الذوبان في المجتمع على غرار أتراك كثر. نتيجة لذلك، حقق تقدماً فنياً جريئاً أهدافه تتداخل مع الطيفين السياسي والديني. نتيجة لذلك، أغضب أتراكاً كثراً عام 2014 مع فيلمThe Cut عن المذبحة الأرمنية عام 1915، علماً بأن هذه المجزرة تشكّل موضوعاً محرماً بالنسبة إلى الحكومة التركية.

يقول: «في تسعينيات القرن الماضي، لم أعتبر نفسي ألمانياً. لم أكن جزءاً منهم ولم أرغب في أن أكون كذلك. لكن صناعة الأفلام جعلتني ألمانياً. دعمت الدولة إنتاج الأفلام وعملي كفنان. لم أكن فناناً آنذاك. لم أولد فناناً، بل ولدت في حي فقير. لكن الفن لا أمة له ولا هوية، بل يعبر الحدود كافة».

تبدلات

يعكس In the Fade أيضاً التبدلات (منها فرق كرة القدم الشاملة) التي عزّزت التسامح في ألمانيا، رغم المكاسب التي حققها أخيراً حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف. كانت كاتيا وزوجها نوري يربيان ابنهما في حياة مريحة تجمع بين ثقافتَين قبل أن يقوّضها اعتداء إرهابي. يذكر المخرج: «في الحالات المتطرفة، ترى بشاعة الناس».

تؤكد كروغر أن أكين «تعرّض للتمييز العرقي طوال حياته. فقد استهدفته تلك المجموعات (النازية الجديدة) بعد أفلامه السابقة. نتيجة لذلك، يشكّل هذا العمل مرآة تعكس ما تسببنا به لأنفسنا والفوضى التي نغرق فيها. آمل بأن ينجح الفيلم في التواصل مع الناس بطريقة عاطفية تولّد فيهم التعاطف كي يتمكنوا من رؤية ما ينتجه كل هذا الكره».

وتتابع مؤكدة أن العمل مع أكين «كان أحد الأعمال الأكثر مكافأة التي تعاونت فيها مع مخرج، ربما باستثناء كوينتن تارانتينو. فاتح حاد، إنه مخرج متطلب جداً إنما دافئ. يُعتبر صانع أفلام حقيقياً وصوتاً قوياً يعبّر عن جيله».

يخبر أكين: «أستطيع أن أجني مبالغ أكبر من المال في ألمانيا. لكنني أريد تجربة مختلفة، فهي تبقى التجربةُ الأكثر أهمية لأنها تساعدك على الأرجح في تقديم الأجوبة الصحيحة لأولادك عندما يطرحون عليك سؤالاً». أتى أكين على ذكر مخرجين أمثال ستيفن سودربرغ («صانع أفلام يضاهي ببراعته ديفيد بوي في عالم الموسيقى»)، وشون بايكر («قدّم لي صورة عن الولايات المتحدة لم أكن أعرفها إلا أنها أثارت اهتمامي»)، وأورسون ويلز الذي لجأ إليه خلال إعداده مشهد المحاكمة في In the Fade.

يضيف: «شاهدتُ كثيراً من الأفلام عن محاكمات، لكن العمل الذي أثر فيّ حقاً كان The Trial لويلز المستوحى من رواية كافكا. الأطر فيه مستقيمة وواضحة».

عاد أكين بالذاكرة إلى أفلام سابقة، ثم أخبرنا أنه، خلال إجرائه بعض البحوث لفيلمه The Cut، قاد سيارته على طرق فرعية في الولايات المتحدة فيما كان يدرس خطوط القطارات قبل قرن. خلال هذا السرد، بدا أشبه برحالة تصادفه وهو يقف على قارعة الطريق يبحث عمن يقله أو راوٍ سحرته الدروب الترابية التي تلتف منطلقةً نحو احتمالات مخبأة في العتمة. يخبر: «تجولت في الولايات المتحدة: فلوريدا، وألاباما، وميسيسيبي، وداكوتا الجنوبية، وداكوتا الشمالية. رأيت الكثير. كذلك أنقذتُ أميركيين من فيضان. كنت أعبر أيداهو وكان المطر ينهمر. وفجأة، رأيت زوجين في ثمانيناتهما. كانا عالقين في سيارتهما وكان الماء يرتفع. كانت شبكة الهاتف متعطلة وكنا في منطقة غير مأهولة. فسارعتُ أنا وصديق لي إلى حمل هذين الزوجين وإخراجهما من السيارة».

يبتسم أكين ويضيف: «ما زالت ابنتهما تراسلني وتكرر: باركك الله!».

الفيلم يبدو الأقرب إلى أفلام هوليوود بين أعمال فاتح أكين
back to top