الاستخدامات العسكرية للفضاء واستعداد أميركا لمواجهتها

نشر في 06-01-2018
آخر تحديث 06-01-2018 | 00:00
رسمت استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمن القومي مساراً جديداً من خلال التركيز على إعادة بناء الاقتصاد الداخلي كخطوة مركزية تتعلق بالأمن القومي واستهداف القوتين المنافستين، وهما روسيا والصين، اللتين تسعيان إلى تحدي نفوذ وقيم وثروات الولايات المتحدة.

ولاحظ النقاد أن البيت الأبيض يخالف تشديد الرؤساء السابقين على تحسين قيم الديمقراطية والليبرالية ورفض الاحتباس الحراري وانتشار التجارة الحرة على شكل أهداف أمن قومي وتفضيل سيادة أميركا على التعاون الدولي.

والجانب اللافت هو أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة تخالف أسلوب الرئيس السابق باراك أوباما ازاء الفضاء الخارجي، ومع ازدياد اعتماد الشبكات العسكرية والمدنية الأميركية على شبكات الأقمار الاصطناعية استجاب البيت الأبيض في عهد أوباما إلى الجهود الأوروبية الرامية إلى خفض فرص حدوث نزاع مسلح في الفضاء.

ومن خلال رفضها لتلك المعاهدات والقوانين الدولية الغامضة عولت إدارة ترامب على الأحادية مؤكدة أن «أي تدخل مضر أو هجوم على مكوناتنا المهمة في الفضاء سوف يواجه برد متعمد في الوقت والمكان والطريقة التي سنختارتها». وقد تناول ترامب هذه القضية المركزية بصورة صحيحة لأن السيطرة على الفضاء تؤكد هيمنة أميركا على قضايا العالم، كما أن أقمار الاتصالات توفر نقل المعلومات بصورة سريعة وتجمع بين مختلف أجهزة الجيش الأميركي ويشمل ذلك الجنرالات الذين يصدرون الأوامر والطيارين الذين يراقبون الطائرات المسيرة، إضافة إلى أن الأقمار الاصطناعية الأخرى تراقب الدول المنافسة التي تطلق الصواريخ وتمكن من نشر القوات الاستراتيجية وتحركاتها، وقوة الردع الأميركية تستخدم الفضاء حيث تغادر الصواريخ الباليستية ثم تعود لدخول جو الأرض بشكل يصعب تفاديها.

نظام التمركز العالمي

ويسمح نظام التمركز العالمي للطائرات والسفن الأميركية والقوات البرية بتحديد مواقعها وتحركاتها وتوجيه نيرانها بدقة عالية. وتظهر السرعة المذهلة لغزو العراق في سنة 2003 والانتصار في حرب الخليج في 1991 النجاح اللافت للعمليات العسكرية الذي نجم عن تعاون الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية وجمع المعلومات. كما أن حملة الطائرات المسيرة ضد قادة الارهابيين في الشرق الأوسط وباكستان اعتمدت على الأقمار الاصطناعية في تحديد الأهداف ومراقبة أنظمة إطلاق النيران في الطائرات المسيرة.

وقد عولت وزارة الدفاع الأميركية على الأسلحة الموجهة بدقة في تطوير «نظام الضربة الفورية العالمية» التي تستخدم نظام التمركز العالمي في توجيه الصواريخ العالية السرعة مع رؤوس حربية تقليدية لضرب أهداف خلال ساعة واحدة في أي مكان من العالم.

وبالمثل فإن الشبكات المدنية تعتمد على الفضاء، وقد أسهم نظام التمركز العالمي في تحويل صناعة النقل، حيث تسمح منتجات الملاحة بقيادة أسرع للسيارات الخاصة ونقل أكثر فعالية للشاحنات والقطارات والسفن، وتعتمد السيارات الذاتية القيادة وخدمات التوصيل بالمثل على نظام التمركز العالمي فيما تقدم أقمار اصطناعية أخرى تنبؤات عن الطقس وتقوم بنقل اتصالات ومعلومات مختلفة.

من جهة أخرى بدأت الصناعة الخاصة باستخدام الإمكانية التجارية للفضاء، وتشير التقديرات الآن إلى أن اقتصاد الفضاء يبلغ 330 مليار دولار، يسهم القطاع الخاص فيه بمبلغ 251 ملياراً مع مساهمة الحكومات ببقية المبلغ.

احتياجات الاتصالات

تعتمد وزارة الدفاع الأميركية على الأقمار الاصطناعية التجارية في 40 في المئة من احتياجات الاتصالات، وقد بدأت فكرة إرسال مدنيين إلى الفضاء بدخول حيز التنفيذ، وقد طور سبيس إكس من ايلون ماسك مجموعة من الصواريخ لنقل شحنات إلى محطة الفضاء الدولية، بينما تقوم فيرجن غالاكتيك ببيع مقاعد لسياحة الفضاء.

وفيما تعمل أنظمة الفضاء على تحسين العمليات العسكرية والشبكات المدنية فإنها تشكل ثغرات تنطوي على مخاطر كبيرة أيضاً، لأن قيام العدو بتدمير أقمار المراقبة والرصد الأميركية سوف يعطل مراقبتها الاستراتيجية ويضعف قدراتها العملياتية والتكتيكية، كما أن الهجمات المضادة على الأقمار الاصطناعية قد تسهم في تحييد الميزات التقنية للدول الغربية في ميدان معلومات العمليات. وقد ناقش الخبراء الصينيون عملية مواجهة التفوق الأميركي في الأسلحة التقليدية والنووية عبر هجمات تستهدف الأقمار الاصطناعية الأميركية تعطل القوات وتتدخل في الاتصالات والمراقبة بصورة فعالة.

ومع أن الصين عملت على تحسين برنامجها الفضائي المأهول بشكل ثابت فقد طورت أيضاً التقنية اللازمة للأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، وعلى سبيل المثال اختبرت بكين في سنة 2007 صاروخاً يطلق من الأرض لتدمير أحد أقمارها الاصطناعية المخصصة للطقس في مدار حول الأرض. وقال أحد المحللين الصينيين في تعليق لافت: «بالنسبة إلى الدول التي لا يمكنها مطلقاً كسب حرب ضد الولايات المتحدة عبر استخدام الدبابات والطائرات فإن مهاجمة أنظمة الفضاء الأميركية قد يكون الخيار الأفضل والأكثر اغراء».

عسكرة الفضاء

أفضت إمكانية حدوث حرب فضائية إلى دعوات لحظر «عسكرة « الفضاء، وقد بدأت تلك الجهود منذ معاهدة الفضاء الخارجي في سنة 1967 التي نصت على «تحسين التعاون الدولي في الاستكشاف والاستخدام السلمي للفضاء الخارجي». وتمنع هذه المعاهدة وضع أسلحة نووية في مدار، وتحظر أي عمليات عسكرية على سطح القمر والكواكب الأخرى، كما تمنع أي دولة من ادعاء السيادة على على القمر والكواكب الأخرى وحتى الفضاء فوق أراضيها (بخلاف المجال الجوي على سبيل المثال).

ومنذ ذلك الوقت جادل البعض بأن الفضاء يجب أن يظل خالياً من السلاح، وأن أي استخدام للفضاء لأغراض عسكرية ينتهك القانون الدولي، وقد أقرت الأمم المتحدة عدة قرارات تنص على «منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي».

وبينما تعتبر استراتيجية ترامب للأمن القومي وثيقة لا استراتيجية تشغيل فهي تظهر أن الإدارة الأميركية تقوم بالخطوة الصحيحة في ما يتعلق بجعل الفضاء منطقة خالية من النزاع. وسبق للقوى الكبرى أن طرحت معاهدات تهدف إلى الحد من السباق النووي في الفضاء الخارجي، ولكنها تركت في الوقت نفسه الطريق مفتوحاً أمام استخدامات عسكرية أخرى للفضاء. وعلى سبيل المثال فإن القانون الحالي لا يمنع مرور الأسلحة عبر الفضاء كما هو الحال بالنسبة إلى الصواريخ الباليستية ووضع أقمار اصطناعية للمراقبة والرصد، وتستطيع الدول استخدام القوة في تلك المجالات من أجل تحقيق الأهداف ذاتها التي تحققها الأسلحة العالية التقنية لأغراض الدفاع عن النفس وملاحقة المجموعات الارهابية ومنع الأزمات الدولية وحل النزاعات بين الدول.

● جون يو- «ذي هيل»

back to top