سنّة العراق يخوضون الانتخابات «بلا أحزاب»

نشر في 28-12-2017
آخر تحديث 28-12-2017 | 00:11
الكاهن مارتن باني يقود الصلاة خلال عيد الميلاد في كنيسة مريم العذراء في حي الكرادة بغداد
الكاهن مارتن باني يقود الصلاة خلال عيد الميلاد في كنيسة مريم العذراء في حي الكرادة بغداد
منذ العهد العثماني، كان المجتمع السني، الذي شكل يومذاك أغلبية في أكبر الحواضر العراقية، في طليعة الفئات التي أخذت تؤسس الجمعيات السياسية، وصولاً إلى دخول ممثليه البرلمان في عهد الإصلاحات، قبيل الحرب العالمية الأولى، في حين بقيت مجتمعات كبيرة مثل الشيعة والأكراد بلا نشاط سياسي يذكر، حتى خمسينيات القرن الماضي، لكن هذه الصورة تغيرت كثيراً في الفترات اللاحقة.

ويفترض أن يشهد العراق في مايو المقبل تنظيم اقتراعين؛ بلدي ونيابي، رغم أن الموعد قابل لبعض التأجيل، في وقت يعيش المجتمع السني ظروفاً صعبة جداً، لعل أبرزها غياب التمثيل السياسي المتماسك.

وبينما يحظى الأكراد والشيعة اليوم بأحزاب بعضها عريق والآخر نجح في بناء هياكل تنظيمية واستشارية فاعلة بين جمهور الناخبين، لا يمتلك المجتمع السني تنظيمات قادرة على بناء مواقف تفاوضية أو استخدام أوراق ضغط أو استغلال فرص، إلا ما ندر.

وفي ظل الدكتاتوريات الصاعدة منذ ١٩٥٨ اندثرت معظم الأحزاب ذات الطابع السني البغدادي خصوصاً، ولم يبق إلا حزب البعث «المنحل» ناشطاً في المعارضة، ثم السلطة التي ورطته في مغامرات رهيبة انتهت باختفائه وحظره ومنعه من أي مشاركة في الانتخابات، كما حافظ الحزب الإسلامي، وهو الجناح العراقي في تنظيم الإخوان المسلمين، على تنظيم سري عريق وجيد وحسن الأداء، وهو ما ساعده على اتخاذ قرارات صعبة بعد سقوط صدام حسين، مثل الاشتراك السريع في العملية السياسية، غير أن ذلك أدى إلى سخط سني شعبي عليه، في لحظة طغت عليها صدمة فقدان الأغلبية السياسية لهذا المكون.

أما اليوم، فإن التشكيلات السياسية لمدن نينوى والأنبار ذات الأغلبية السنية، والتي تتحكم في معظم القرار السياسي لهذه الفئة، لا تعدو أن تكون قوائم انتخابية وتحالفات هشة بين موظفين متهمين بالفساد ظهرت لديهم ثروات طائلة ومفاجئة، ورجال أعمال حديثي عهد بالثراء يفتقدون الخبرة والعلاقات والتنظيم المطلوب، مما أتاح لخصومهم، وخصوصاً حلفاء طهران، أن يوجهوا إليهم ضربات موجعة، سلّمتهم لقدر الانقسام والضعف، وتركت فراغ قوة رهيباً داخل المجتمع السني، الأمر الذي كان أحد أسباب ظهور تنظيم داعش، الذي حاول ملء الفراغ السياسي بطريقة عنيفة ودراماتيكية غير مسبوقة.

ويشعر الجناح المعتدل في السياسة العراقية بضرورة ظهور تشكيل سني قادر على أن يكون شريكاً في مفاوضات مرحلة ما بعد «داعش»، ومن شأنه أن يكسب ثقة الجمهور السني وينخرط في ترتيبات جديدة للتعامل مع انفتاح عربي واعد، ومساعدة دولية مهمة تتلقاها بغداد حالياً، لكن أبرز الشخصيات السنية التي يمكن أن تعود لإحياء محاولات العمل ضمن سياسة معتدلة يواجهون صعوبات كبيرة.

وأهم هذه المصاعب أن الجمهور السني، بعد أن جرب ويلات الحرب وتعرضت مدنه لتخريب مروع في الحرب ضد «داعش»، بات يريد ساسة يملكون علاقة مرنة مع بغداد، ويعتقد الجمهور أن الشخصيات السنية القوية تورطت في عداء مع الجمهور الشيعي، إلى درجة يصعب إعادة تأهيلها، لتدشين عهد جديد من التسويات المتماسكة.

وكتب أثيل النجيفي، أحد أبرز الساسة السنة في الموصل أخيراً، أن الأولوية في الوسط السني اليوم هي تغيير استراتيجية العمل، موضحاً أن الهدف منذ عام ٢٠٠٣ كان تغيير النظام السياسي، أما اليوم فيجب أن يتحول إلى العمل للانخراط الطبيعي الممكن ضمن النظام الحالي المدعوم إقليمياً ودولياً، لحمايته من محاولات طهران في الهيمنة والتوسع، وهو أمر سيبقى ينتظر ولادة تيار متماسك في المدن الكبرى ذات الأغلبية السنية.

back to top