دبلوماسية القدس!

نشر في 26-12-2017
آخر تحديث 26-12-2017 | 00:13
إذا استمرت المجموعة العربية في التمسك بأدواتها الدبلوماسية في تجميد ارتمائها في الحضن الأميركي، وحافظت على تماسكها حول القضية الفلسطينية ومحورية القدس فيها، فيمكنها أن تسدد اللطمة تلو الأخرى للحكومة الأميركية، وتعلمها أهم درس في تاريخها الحديث بأن القدس ليست للبيع!
 د. حسن عبدالله جوهر التعاطي مع قرار الرئيس الأميركي ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كان رائعاً على المستوى الدولي وأروع على المستوى العربي– الإسلامي والأكثر روعة على المستوى الفلسطيني في الإجمال، في دلالة مهمة على إمكانية النجاح متى كان الهدف موحداً والعدو مشخصاً وأدوات اللعبة السياسية متاحة.

يكفي دونالد ترامب، الذي وصفته إحدى أعمدة الصحافة الأميركية "التايم" بالرئيس الأسوأ على الإطلاق، وعددت صفاته بالمفرق والكذاب واللص والمغتصب والمتواطئ والمتلاعب والخائن، أن يقف عرياناً أمام المجتمع الدولي وأن يتلقى الصفعات من الحلفاء والخصماء والصغار والكبار والأغنياء والفقراء والدول المتقدمة والأخرى النامية، وأن يستهان ببلطجته السياسية وابتزازه للشعوب المحرومة بما يقدمه لحكوماتها من أموال.

ردة الفعل الدولية وتماسك العرب حول مبدئية القدس وظهور معدن التضحية والمقاومة لدى الفلسطينيين قد تعيد بصيص الأمل إلى الجسم شبه الميت في هذه المنطقة المنكوبة بكل أشكال الجراحات، وقرار الجمعية العامة بأغلبية الثلثين الساحقة ضد ترامب وطفله المدلل إسرائيل بيّن بشكل قاطع قوة الأدوات الدبلوماسية في وجه أكبر قوة عسكرية واقتصادية.

قد تكون صيحات الجهاد والتصعيد السياسي وشعارات تحرير القدس واستخدام النفط كسلاح خيارات صعبة، وتكاد تكون مستحيلة لانعدام الإرادة الحقيقية أو للافتقار إلى إمكاناتها، وقد تكون بوصلة هذا النوع من المواجهة قد انحرفت على يد الفكر الإرهابي، وقد تكون الكثير من الحكومات قد تجهزت وأعدّت العدة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن القرار الأحمق للرئيس الأميركي جمع الأضداد، ووحّد المواقف ولو بشكل جزئي ومؤقت، وغربل الكثير من المخططات وربما أرجأتها إلى أجل غير مسمى.

مقاومة الفلسطينيين الآخذة في المضي نحو انتفاضة جديدة كافية لضرب إسرائيل من الداخل وإعادتها كالعدو الأول للعرب والمسلمين والعالم، وتبديد ذلك الحلم الذي ظل يراود الصهاينة على مدى عقود طويلة من الزمن، والموقف العربي الموحد بعد سبات عميق كشف الوجه الحقيقي للحكومة الأميركية كشريك وراع للسلام في الشرق الأوسط، ليس لانعدام حياديتها ونزاهتها فحسب بل لفقدان مصداقيتها وخجلها.

إذا استمرت المجموعة العربية في التمسك بأدواتها الدبلوماسية في تجميد ارتمائها في الحضن الأميركي، ولو مؤقتاً على أضعف الإيمان والبراءة من مشاريع السلام التي بان زيفها مع الكيان الصهيوني، وحافظت على تماسكها حول القضية الفلسطينية ومحورية القدس فيها، فيمكنها أن تسدد اللطمة تلو الأخرى للحكومة الأميركية، وتعلمها أهم درس في تاريخها الحديث بأن القدس ليست للبيع!

back to top