كنائس الموصل صمتت لأول مرة منذ ألفي عام وأعادها للحياة شباب مسلمون

أول قداس بعد «داعش»... احتفالاً بالكريسماس

نشر في 25-12-2017
آخر تحديث 25-12-2017 | 00:11
أول صلاة بعد «داعش» في كنيسة القديس بولس بمدينة الموصل أمس (إي بي إيه)
أول صلاة بعد «داعش» في كنيسة القديس بولس بمدينة الموصل أمس (إي بي إيه)
في آخر أيام سنة 2014، وبعد أشهر من احتلال تنظيم داعش مدينة الموصل، كتبت الصحافة الدولية أن أجراس الكنائس في نينوى تصمت للمرة الأولى منذ ألفي عام، حيث كانت تلك المنطقة، التي تتكلم لغة المسيح منذ بابل، تحتضن أقدم دور العبادة المسيحية في الشرق، وتعايشت مع مختلف الإمبراطوريات اللاحقة، لكنها تلقت ضربة قوية من تطرف الجهاديين ومشروع خلافتهم.

أما اليوم، وفي الموصل المحررة، فقد بادر شباب مسلمون إلى تنظيف واحدة من أعرق كنائس المدينة المعروفة باسم "مار بولس"، ونجحوا في إقناع عشرات المسيحيين بتنظيم قداس بمناسبة أعياد الميلاد، هو الأول منذ دخول "داعش" قبل ثلاثة أعوام، وتميز هذا الطقس بحضور الأب لويس ساكو بطريرك الكلدان في العالم، ومعه ممثلون للديانات والمذاهب العديدة المنتشرة في نينوى.

أما العنصر الرمزي الآخر، فهو أن مكان القداس بات منذ عام 2008 مدفناً للمطران فرج رحو، الذي كان معروفاً بعلاقته الممتازة بكل طوائف العراق، وتبشيره بقيم التعايش الضرورية، لكن تنظيم القاعدة يومذاك اختطفه وقتله في حادث ترك أثره الموجع لدى الموصليين.

ولم يستتب الاستقرار بما يكفي لعودة المسيحيين إلى الموصل، لكن رغم ذلك عادت نحو 300 عائلة خلال الأشهر الأخيرة إلى مركز المدينة وأطرافها، وهو أمر لم يكن يصدق أحد أنه ممكن التحقق بسرعة، مما يعكس وجود رغبة عند المسلمين في المدينة خصوصاً، بإحياء قواعد التعايش الاجتماعي القديمة، التي خربتها الجماعات المسلحة منذ الانهيار الأمني عام 2003 . ومن هذه الزاوية يقول الكثيرون من الموصليين إن مدينتهم يمكن أن تشهد عهداً جديداً، فالأيزيديون كديانة قديمة، والصوفية والشيعة، استطاعوا خلال الفترة الماضية ممارسة طقوسهم بمشاركة أطياف متنوعة من المدينة، حتى أن الطقوس تلك ورغم غرابتها أحياناً أضحت بمنزلة كرنفال يحتفل بالخلاص من تنظيم داعش، ويأمل اختفاء أخطاء السياسة للاحتفاظ بهذا التحول وعدم تضييعه.

وبحسب الإحصاءات، فقد كان مسيحيو العراق نحو مليون نسمة حتى عام 2003 ، لكنهم تناقصوا الآن إلى نحو 300 ألف فقط بفعل الهجرة، ومع ذلك فإنهم لا يريدون مواجهة مصير الطائفة اليهودية، التي تلاشت كلياً، وبقيت تحن إلى العراق دون إمكانية العودة على المدى المنظور. ويتذكر المسيحيون واليهود أن جذورهم هي الأقدم في البلاد، حتى أن المدن الإسلامية المقدسة مثل النجف وكربلاء جنوب بغداد، مليئة بمعابد يهودية وكنائس مطمورة تحت الرمال، وتعد اليوم آثاراً تحظى باهتمام دولي.

ويقول الناشط الشاب في الموصل محمد معن إن ظهور "داعش" واختفاءه كانا عملية مكلفة وموجعة، غير أن لها "فوائد" عدة مثل الصدمة الأخلاقية، التي جعلت المسلمين يبدون اهتماماً أكثر بمشاعر الطوائف الأخرى، فحتى في النجف، التي تتحسس من مظاهر الاحتفالات المسيحية، لم يجرؤ أحد على الإساءة لدمية بابا نويل المنتشرة في الأسواق، ففي العراق اليوم يتهم المرء بأنه داعشي فور تعرضه لرمز مقدس عند ديانة قديمة في البلاد.

back to top