6/6 : لا خيراً رأيت!

نشر في 22-12-2017
آخر تحديث 22-12-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم مرَّت أمامي ذات ليلة قبل خلودي للنوم مشاهد مرعبة من أحداث الحروب بين العرب والمسلمين، وفتك بعضهم ببعض، والذبح بقسوة ليس لها مثيل حتى في أفلام الرعب، وصيحات هنا وهناك من حناجر غاضبة تصرخ: "الموت لأميركا والإمبريالية الغربية والاستعمار الأوروبي، والفناء لمن هو غير عربي أو غير مسلم، والخلود المعاكس للعرب والمسلمين الذين يشربون حين يردون الماء صفواً ويشرب غيرهم كدراً وطينا!".

خالط تلك المشاهد دوي انفجارات شديدة، وأشلاء متطايرة ومعلَّقة في أسقف كنائس ومحطات مترو الأنفاق، وسيارات تدهس الناس في شوارع لندن وباريس ونيويورك وبون وفيينا وطوكيو، لا بل في الصوابر الكويتية، والإسكندرية المصرية، والقطيف السعودية، مع ضجيج كبير يصرخ: "الله أكبر، والموت للغرب نصير إسرائيل"، ثم دارت أمامي مشاهد المجاعات والهياكل الآدمية الحية والعيون المتيبسة الدمع لأطفال ونساء وشيوخ أفارقة وآسيويين عراة ببطون نفختها رياح المجاعات يحملقون بالكاميرات يستجدون قطرة ماء من مصوريهم، وقادتهم يلتهمون أطايب الطعام والشراب جالسين على أرائك من سبائك الذهب، ويلقون بفضلات ضئيلة من طعامهم لأولئك الجوعى، ويصرخون شاتمين الغرب الذي لا ينجدهم من مجاعتهم!

طردت مشاهد يقظتي الدامية، وتعوَّذت من الشيطان الرجيم، وارتشفت قطرات قليلة من الماء، لترطيب جفاف ريقي، وأسلمت رأسي للمخدة، لأغرق في حلم أشد رعباً.

رأيت في منامي أنني أتصل هاتفياً بأصدقاء لي في أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فلا يجيبني أحد، وأحاول الاتصال ببعض مَن عرفتهم من اليابانيين والكوريين الجنوبيين في الخطوط اليابانية والكورية عندما كنت مسؤولاً في الخطوط الجوية الكويتية، ولم يجيبوني، وحاولت بالإيميل أن أتواصل مع بقية من رفاقي بكل أوروبا وكندا، لكن لا مجيب!

اتضح لي في المنام أن سكان تلك الدول، وبسرية تامة، جهزوا لأنفسهم وسائل نقل عملاقة ارتحلوا بها من كوكب الأرض باتجاه كوكب آخر عكفوا على تجهيزه بصمت منذ خمسين عاماً، بغرض إقامتهم الدائمة، وخططوا لترك الأرض لنا نحن العرب والمسلمين والأفارقة وجميع السكان من غير العالم المتحضر الذين نشتمهم ليل نهار ونسعى لإبادتهم، وقالوا لنا اقتتلوا فيما بينكم واذبحوا أنفسكم، وافعلوا بالأرض ما تشاؤون، فنحن غادرناها، وسنرى كيف ستعيشون بها من دوننا!

وهنا ازداد الكابوس وطأة، لأن الأمراض والأوبئة أخذت تفتك بنا، بعد نفاد الأدوية وعقاقير التخدير، وحيث لا مراكز طبية عالمية نرحل إليها، وتعمّق بنا الجهل فوق جهلنا، حيث لا جامعات مرموقة ندرس بها، ولا علماء يكتشفون ويطورون، وتوقفت الطائرات والسيارات والقطارات، إذ لا قطع غيار، وصمت الإنترنت، لأن "البنتاغون" أغلقه علينا وأخذه للكوكب الآخر، واشتد بنا الفقر، حيث لا مشتري لنفطنا، وعدنا لعصور المقايضة السلعية، وووووو!

أخذنا ننادي ونصرخ كسكان للأرض المهجورة نتوسل المهاجرين العودة لإعمار كوكبنا، رغم علّاتهم، ودعمهم الفج لإسرائيل، لكن لا أحد يجيب، وران من حولنا صمت الضياع.

قفزت من حلمي المرعب وريقي أكثر جفافاً، مردداً: "لا خيراً رأيت... لا خيراً رأيت"، مع الاعتذار للشيخ الحبيب صالح النهام، صاحب البرنامج الشائق (خيراً رأيت).

***

همسة:

الفيتو الأميركي ضد قرار مجلس الأمن الإجماعي، لرفض قرار ترامب حول القدس عاصمة لإسرائيل، هو عار سياسي ودبلوماسي لأميركا سيبقى عالقاً بها وبرئيسها الحالي، وسيضاعف الإرهاب.

back to top