الأندلسي

نشر في 17-12-2017
آخر تحديث 17-12-2017 | 00:00
 ناصر الظفيري الرواية عمل فني صعب يحتاج إلى الكثير من الوقت والمثابرة والصبر، هذا إذا أراد الكاتب لروايته أن تعيش حتى بعد وفاته. والرواية هي العمل الأكثر استسهالا لدى بعض الكُتاب. أما الذين اعتمدوها طريقا لقضاياهم المصيرية، فيرون أنها عمل من الصعب التقاط فكرته لتناول القضية المصيرية بعيدا عن المباشرة المقيتة. بمعنى أنك تحتاج إلى خلطة تبدو سحرية تمزج فيها بين الفكرة المبتكرة والتقنية الكتابية والقضية المُراد تناولها. هذه الخلطة السحرية هي ما حاولت هنادي الشمري الاعتماد عليها في روايتها الثانية (الأندلسي)، بعد أن تناولت قضية البدون في روايتها الأولى (صفيح)، والتي بشرت بها كاتبة روائية تمتلك موهبة وتحتاج إلى تطوير أدواتها الكتابية، وتلك مسألة زمنية لشابة تقرأ بنهم وباختيارات موفقة.

في هذا العمل الذي ابتعدت فيه هنادي عن الحشو وركزت على فكرتها التي تناولت من خلالها تشظي الهوية العروبية والإسلامية للفرد، لتأخذ القارئ بعيدا إلى الهجرات المضادة لعرب الأندلس، وعودتهم بعد ضياع البلاد إلى أصولهم في جزيرة العرب. لكن هذه السلالة التي وجد أحفادها أنفسهم في بيئة رافضة وطاردة لم تتقبلهم، فرفضت الاعتراف بهويتهم، ليواجهوا ضياعا شبيها بضياع أندلسهم.

الفكرة الرئيسة في العمل هي خروج أحد هؤلاء الأحفاد لينضم إلى تيار ديني متشدد ونافذ في الدولة، استطاع شيخه أن يسهل حياته الآنية، رغبة في التخلص منها في سبيل إيمانه الديني بأن ما يفعله هو الطريق الوحيد إلى الجنة وحورها. يتبنى الحفيد خالد الفكرة، فيجد اعترافا به كمواطن كويتي يحمل وثيقة سليمة تدل عليه، لكنها الوثيقة التي ستقوده إلى النهاية.

يعود خالد إلى الأندلس التي غادرها الأجداد وعادت إلى أصحابها وتبدَّل اسمها إلى إسبانيا، ويقرر أن ينفذ عملية انتحارية نيابة عن الشيخ ومجموعته. هذا الانتماء القصير للبلد والاعتراف به لم يكن ممكنا لكائن يريد الحياة قدر ما كان ممكنا لشخص أراد الموت والخلاص من بؤسه. كان خالد الذي عاش حياة مناقضة تماما لفكرة الدين والتعصب يجد نفسه مستغلا ومستلبا أمام ولي نعمته المؤقتة ومن يقفون في الظل البعيد لا يعرفهم أحد.

اعتمدت الرواية تقنية السرد المتصل في الجزء الأول منها، ثم تناوب السرد بين الأبناء في الجزء الثاني والانتقال الزمني من حدث إلى آخر، لتجتمع خيوط الحكاية في النهاية التي يعلن فيها عن موت خالد والتحقيق مع أسرته.

هنادي الشمري أحد الأسماء التي تتناول قضية البدون، وقد اختارت السرد كوسيلة للتعبير، وربما هي الصوت النسائي الوحيد من البدون الذي اختار السرد. ونتوقع السنوات المقبلة ستكون حبلى بأسماء أخرى.

من الرواية:

"يعامل الملوك أوطانهم كأراضٍ مؤقتة، أول ما يفعلونه حين يتسلمون زمام الحكم هو وضع طرقٍ سرية للهرب".

"تعاطف مع قضية يتاجرون بها من لا يخافون الله ولا يحكمون بشرعه".

"طُردوا لأن دينهم لم يعجب الحكام الجدد، والآن أنا أفجر نفسي، لأن دينهم لا يعجبني".

"ستنتهي قصة خالد يا أبي. ابنك الذي أضاعته الأرض، الأرض التي إن جاريتُك في وهمك تبدأ من تحت قدمي وتنتهي عند قبرك. رُفِض أجدادك هنا، ورُفضنا نحن هناك".

back to top