الموصل تبدأ رحلة التعافي والبناء بعد هزيمة «داعش» في العراق

نشر في 16-12-2017
آخر تحديث 16-12-2017 | 00:04
استمرت معركة الموصل ضد تنظيم داعش تسعة أشهر، وأسفرت عن مقتل الآلاف، مع تشريد ونزوح حوالي مليون شخص وإلحاق دمار مروع بالمدينة، ولا يزال هناك حوالي 600 ألف نازح، وقرابة 60 ألف منزل مهجور، إضافة إلى إصابة الأعمال التجارية والقطاعات الحكومية بالشلل نتيجة تدمير ما لا يقل عن 20 ألف مبنى تجاري وحكومي.
طوال ثلاث سنوات عاشت مدينة الموصل التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، وهي ثاني أكبر مدينة في العراق، تحت قسوة حكم تنظيم داعش الارهابي الذي طرد منها في شهر يوليو الماضي، وكانت تلك بداية النهاية لهذا التنظيم الذي احتل ثلث العراق والكثير من الأراضي السورية إلى أن تم الإعلان بشكل رسمي أخيرا عن تحرير المدينة بالكامل.

ولكن معركة الموصل استمرت تسعة أشهر وأسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد ونزوح حوالي مليون شخص وإلحاق دمار مروع، ولا يزال هناك حوالي 600 ألف نازح وقرابة 60 ألف منزل مهجور، إضافة إلى إصابة الأعمال التجارية والقطاعات الحكومية بالشلل نتيجة تدمير ما لا يقل عن 20 ألف مبنى تجاري وحكومي، بحسب الصور التي التقطتها طائرات الأمم المتحدة.

وقد تعرض الجانب الغربي من المدينة إلى أسوأ دمار وتطلب الأمر ستة أشهر من القتال من شارع إلى شارع، وقصفاً جوياً عنيفاً لتحرير المنطقة بما في ذلك أجزاء من المدينة القديمة التي اتخذ التنظيم الارهابي منها موقعه الأخير.

وتقول ليز غراند، وهي منسقة الشؤون الإنسانية الأممية في العراق، إن «الموصل هي قصة مدينتين وفي شرق المدينة يقيم أكثر من 95 في المئة، وفي القسم الغربي تختلف الصورة تماماً، وعلى الرغم من ذلك فقد شمر السكان عن سواعدهم وقرروا استعادة حياتهم».

جهود المجتمع الدولي

ومنذ فصل الصيف الماضي أنفق المجتمع الدولي حوالي 400 مليون دولار للمساعدة في استعادة الكهرباء والماء والخدمات الطبية، وتعمل الدول المانحة والحكومة العراقية على وضع خطة لإعادة الاعمار والتنمية بعدة مليارات من الدولارات.

وتعج الطرقات العامة المؤدية إلى الموصل بعدد كبير من الشاحنات التي تنقل البضائع ومواد البناء، كما انتعشت أعمال المطاعم، ويقول فراس خليل وهو مهندس يشرف على إعادة بناء متنزه «فاونتن سكوير» في الجانب الشرقي من الشارع التجاري الرئيسي للمدينة: « نحن نعمل على تغيير جو الموصل، وإعطاء الفرصة لجيراننا لاستنشاق الهواء النقي بعد هزيمة تنظيم داعش».

وفي الجانب الشرقي من المدينة يعج حرم جامعة الموصل بنشاط حوالي 30 ألف طالب من الرجال والنساء، كما عاد المئات من الطلبة من أنحاء أخرى من العراق إلى الدراسة في شهادة يقولون إنها تؤكد ثقة آبائهم في الوضع الأمني.

وطوال قرون من الزمن كانت الموصل مركزاً للتعليم، وفي العصور الوسطى قاد العلماء هنا التقنية الجراحية، كما أن الأدوات الطبية لا تزال تستعمل من قبل الأطباء المعاصرين.

وخلال سيطرة تنظيم داعش الارهابي على المدينة، توقفت الدروس لأنه منع تعليم ما كان يعتبره خطيئة مثل دروس الفنون والفلسفة ولخشية الأساتذة والطلاب من مغادرة منازلهم.

وتظهر على الحرم الجامعي، مثل معظم مناطق الموصل، آثار النزاع، وقد دمرت غارات الائتلاف الأميركي أربعة أبنية علمية كان التنظيم الارهابي يستخدمها على شكل مختبرات لبحوث الأسلحة.

وعمدت الأستاذة انتصار عبد الرضا التي كانت تدرس المحاسبة طوال 18 سنة إلى مساعدة مجموعة من الأساتذة والطلاب الذين قاموا بجمع الأموال من أجل إصلاح السقوف والتمديدات الكهربائية في صفوف أقسامها عبر الاشراف على أنشطتهم وهو جهد ساعد على استئناف الدراسة في الشهر الماضي.

وعلى بعد بضعة أميال وفي مستشفى الخنساء عمل الطبيب جمال يونس طوال فصل الصيف مع منظمات مساعدة دولية مثل أطباء بلا حدود من أجل حل المشاكل الملحة مثل تركيب مولدات وحاضنات لضمان الاستمرار في عمل المستشفى.

لكنه لا يزال يواجه فجوات في ميزانية التشغيل اليومية وقد تمكن من حل مشكلته الدكتور سعد صالح الذي يقيم علاقات صداقة مع أكثر عائلات الموصل ثراء.

وعندما علقت شحنة مخصصة من الأدوية للمستشفى في مدينة اربيل على بعد حوالي 60 ميلاً، أفضت مكالمة هاتفية إلى رجل أعمال محلي إلى جمع مبلغ الـ 500 دولار اللازمة من أجل استئجار شاحنتين لنقل الأدوية إلى الموصل، كما أدت مكالمات إلى أصحاب الصيدليات إلى تبرعات بضمادات وامدادات طبية جراحية.

التحديات الحالية

ويقول الدكتور صالح: «لقد عشنا طوال عقود من عدم ثقة المواطنين بعضهم ببعض في العراق، وهذه هي الحقيقة و التحديات التي تواجهنا في الوقت الراهن – ولكن بطريقة ما يختلف الوضع الآن ويشعر الناس برغبة حقيقية في مساعدة بعضهم البعض الآخر «.

وعبر النهر في المدينة القديمة، يقول الناس الذين سلمت بيوتهم من الدمار إنهم يشعرون برغبة لتقديم العون مدفوعين بروح المجتمع.

كان طلال محمد، وهو أب لأربعة أطفال، يدير متجراً صغيراً في المدينة القديمة منذ 30 سنة، وقد أعطاه أحد المحسنين من أبناء الموصل ما يعادل 850 دولاراً في الشهر الماضي من أجل مساعدته على إصلاح ثلاجاته التي تعطلت.

وتقول انتصار مهدي إنها كانت آخر من غادر المدينة خلال القتال الذي اندلع في الصيف وأول من عاد اليها، وعمدت على الفور إلى دفع أولادها الأربعة وأحفادها العشرة إلى تنظيف ركام وحطام منزلهم وإصلاح التمديدات اللازمة لتشغيل بئر ذلك المنزل.

وعلى بعد حوالي ميل، وفي مدرسة الشرقية الثانوية، يستخدم المدير صالح التحدي المتمثل في إعادة البناء على شكل لحظة تعليم، وهو يعكس الشعار المعلق على أحد الجدران الحجرية للمدرسة، الذي يقول: « مصائب قوم عند قوم فوائد «.

ومنذ شهر أغسطس الماضي بدأ صالح يتلقى مكالمات من العشرات من المعلمين والمئات من الآباء مطالبين باستئناف الدراسة، وقد أقنع قائد الشرطة المسؤول عن منطقته لضمان سلامة المدرسة من القنابل والمواد الخطيرة الأخرى.

وفي شهر أكتوبر عمد إلى تنظيم المعلمين والإداريين في مناوبات من أجل تنظيف الركام والمعدات المحروقة في العديد من الأبنية، ثم أوصله قائد الشرطة مع جمعية خيرية تتخذ من بغداد مقراً لها وأرادت التبرع بمعدات بناء.

ويقول صالح الآن إنه سوف يحول طلابه الـ 450 إلى قوة عمل طوعية، لتركيب الأبواب والنوافذ في 10 صفوف دراسية.

روح المدينة سلاحها لمواجهة الدمار

تحت أشعة شمس الصيف اللاهبة وبعد مرور أسابيع على نهاية واحدة من أكبر المعارك منذ الحرب العالمية الثانية، توجه مدير مدرسة ثانوية من منزله في شرق الموصل إلى الضفة الغربية لنهر دجلة ليواجه الدمار الذي حل بتلك المدرسة التي أمضى حياته يعمل فيها.

كانت المدرسة المجاورة للمدينة القديمة في الموصل، والتي درست فيها أجيال من القادة السياسيين والعسكريين العراقيين، قد تعرضت للخراب كما تمت تسوية اثنين من مبانيها بالأرض نتيجة الغارات الجوية التي قام بها الائتلاف الأميركي خلال معركته ضد تنظيم داعش الارهابي. وتعرض المختبر والمكتبة والمسرح الذي قدم عليه طلاب المدرسة في سنة 2014 مسرحية «ماكبث» للحرق من قبل فلول التنظيم الإرهابي المندحرة.

كان الدمار يبعث على اليأس، ولكن مدير المدرسة المثنى صالح قرر استعادة رونقها ودورها وهو يخطط في هذا الشهر، وبهمة المتطوعين وسخاء أحد المواطنين العراقيين لإعادة بناء قاعات الدرس لنحو 450 طالباً، مبيناً أن يقود فريقا يعمل على حل المشاكل، و»حصلنا على موارد، وقد وجدنا طريقة للعمل، إنها روح مدينة الموصل».

* مارغريت كوكر

الجانب الغربي من المدينة تعرض لأسوأ دمار وتطلب تحريرها ستة أشهر من القتال من شارع إلى آخر وقصفاً جوياً عنيفاً

طوال قرون كانت الموصل مركزاً للتعليم وفي العصور الوسطى قاد علماؤها التقنية الجراحية
back to top