ما انعكاس أزمة ألمانيا السياسية على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

نشر في 23-11-2017
آخر تحديث 23-11-2017 | 00:05
تشمل التداعيات المباشرة لانهيار المحادثات في ألمانيا إضعاف الحزب الديمقراطي الحر، الذي يُلام على هذا الإخفاق، لكن المسألة الأكثر أهمية على الأمد الطويل تدور حول قدرة ميركل على إعادة الديمقراطيين المسيحيين إلى قلب السياسة الألمانية، ومقارنةً بهذه المسألة، يُعتبر خروج بريطانيا بكل وضوح أولوية من الدرجة الثانية.
 الغارديان تبقى الطبقة السياسية في بريطانيا، على غرار وسائل الإعلام في هذا البلد، مهووسة بجنون بالولايات المتحدة، مستثنيةً كل الدول الأجنبية الأخرى، نتيجة لذلك، ترفضان كلتاهما إيلاء أي اهتمام متواصل للسياسات الألمانية أو سياسات أي بلد أوروبي آخر الداخلية. وهكذا شكّلت أخبار أن أنجيلا ميركل قد لا تستمر في منصبها كمستشارة لألمانيا صدمة قوية لكثيرين منهم على الأرجح.

لطالما افترض البريطانيون باستخفاف أن ميركل ستهب بطريقة ما لنجدة المملكة المتحدة في مسألة خروجها من الاتحاد الأوروبي تماماً على غرار البروسيين في معركة واترلو. ظن كاميرون أن هذا ما سيحدث في المفاوضات التي سبقت استفتاء عام 2015-2016، ويبدو اليوم أن تيريزا ماي وديفيد ديفيس بالتأكيد يملكان الأمل ذاته في مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا خطأ فادح.

أولويات ميركل

لطالما أظهرت الوقائع أن لميركل أولويات في الداخل أكثر إلحاحاً من خروج بريطانيا وحلفاء في أوروبا أكثر أهلاً للثقة من بريطانيا، ولكن بعد انهيار المحادثات بشأن تشكيل ائتلاف بين ديمقراطيي ميركل في الاتحادين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي، والحزب الديمقراطي الحر الليبرالي الداعم للسوق الحرة، والخضر، يبدو أن احتمال ألا تكون ميركل في منصبها حتى مع بلوغ محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي ذروتها حقيقيٌ بالفعل.

لا شك أن ميركل لن تكون قد خسرت منصبها كمستشارة عندما تتوجه تيريزا ماي إلى بروكسل في 14 ديسمبر للمشاركة في قمة الاتحاد الأوروبي التي ستُقرر ما إذا كان التقدم الذي أُحرز في محادثات خروج بريطانيا "كافياً". إذاً، ستؤدي ميركل بالتأكيد دوراً مهماً، لكن فكرة أنها تملك الرغبة أو القدرة للتوصل بسحر ساحر إلى حل ملائم لبريطانيا في اللحظات الأخيرة ليست سوى سخافة ببسيط العبارة. تعكس هذه الفكرة سوء فهم (يملكه كثيرون في حزب المحافظين، متمثلين بديفيس اللامبالي) لطبيعة العملية التي تُطبّق اليوم، حسبما يُفترض.

في محادثات الخروج من بريطانيا هذه، تتمتع ألمانيا بتأثير كبير ينبع من كونها البلد الأكثر أهمية في أوروبا، لكن العملية التي تشارك فيها قانونية في المقام الأول، وقد حددتها المعاهدة. لم يفهم البريطانيون مطلقاً أنهم يمثلون جهة الاستئناف لا الدفاع في محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: ترغب بريطانيا في الخروج، لذلك يترتب على المملكة المتحدة لا الاتحاد الأوروبي أن تقدِم على الخطوات الكبرى نحو تسوية الصفقات.

لا تملك فرنسا أو ألمانيا أي مصالح سياسية طويلة الأمد في مساعدة بريطانيا على التوصل إلى صفقة مؤاتية وفق الطلب تتحول إلى سابقة ومحفّز للشقاق داخل الاتحاد الأوروبي، فكما أخبر قادة ألمان بارزون في مجال الأعمال ديفيس قبل أيام، يريدون من بريطانيا أن تقدِم على الخطوات المهمة لا منحها صفقة خاصة تلائم المناهضين للوحدة الأوروبية.

ضوابط دستورية

ألمانيا دولة مستقرة تتمتع بضوابط دستورية راسخة تنبع من تصميمها على تفادي اضطرابات الماضي، أما في بريطانيا فسيولد إخفاق المحادثات أزمة سياسية داخلية محمومة من الضروري حلها قبل نهاية الأسبوع التالي على أبعد تقدير. في المقابل، أمام ألمانيا أسابيع وأشهر لحل مسألة ما إذا كانت تستطيع تشكيل حكومة، وخلال هذه الفترة ستبقى ميركل المسؤول الأول.

يبقى اللغز الأكبر في الانتخابات المستقبلية ما إذا كان الألمان سيقررون أنهم ألقوا نظرة على هاوية مجلس نواب من ستة أحزاب، رأوا حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في البرلمان، وسيلجؤون الآن مرة أخرى إلى ميركل والديمقراطيين المسيحيين بما أنهم أفضل ضامن للاستقرار.

تشمل التداعيات المباشرة لانهيار المحادثات إضعاف الحزب الديمقراطي الحر، الذي يُلام على هذا الإخفاق، لكن المسألة الأكثر أهمية على الأمد الطويل تدور حول قدرة ميركل على إعادة الديمقراطيين المسيحيين إلى قلب السياسة الألمانية، ومقارنةً بهذه المسألة، يُعتبر خروج بريطانيا بكل وضوح أولوية من الدرجة الثانية.

* مارتن كيتل

* «الغارديان»

back to top