صور جميلة من ماضٍ أجمل

نشر في 21-11-2017
آخر تحديث 21-11-2017 | 00:08
 يوسف عبدالله العنيزي التقيت قبل أسابيع قليلة، وبالتحديد في جمعية منطقة الفيحاء التعاونية، بالأخ الصديق العزيز عبدالله يوسف المزيني، والواقع أنني لم أستطع التعرف عليه لولا أن بادرني بالتعريف بنفسه، فلا شك أن للزمن دوره في تغيير ملامحنا بين عقد وآخر من الزمن، فما بالك إن كانت هناك عقود من السنين؟ استمر اللقاء دقائق معدودة اختزلت تلك العقود من السنين، وأعادت إلى الذهن ذكريات ذلك الزمن الجميل في تلك السكيك، وتلك المنازل الرائعة بسكانها.

كانت مداركنا محدودة، فلم نكن نعرف من العالم إلا مدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة والبصرة وبلاد الإنكليز التي لا نعرف أين تقع، كل ما يشغلنا هو اللعب واختراع ألعاب بسيطة ونابعة من البيئة، ويكفينا سعادة تجمعنا على مدار اليوم، وأذكر من ذلك التجمع بعض الإخوة منهم عبداللطيف الرقم وعبدالرحمن النمش وعبدالله وعبدالوهاب المزيني ويوسف المضيان والفنان الرائع عبدالمحسن الخلفان «بو سعد» والفنان الرائع غانم الصالح، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.

وعلى الرغم من صغر أعمارنا في ذلك الزمان فإنه كانت هناك صور رائعة نمارسها بشكل تلقائي، ورغبة نابعة من نفوس راضية بعيدا عن التذمر وضيقة الخلق، كم كانت السعادة تغمرنا عندما نذهب إلى مسجد «الفضالة» الذي يقع في نهاية السكة التي يقع فيها بيوت الفهد وبيوت البدر، فنقوم بتنظيف حوش المسجد، ثم نقوم بفرش السجاد للصلاة، كما نقوم بتعبئة «القرو» خزان الماء ليؤدي المصلون فروض الوضوء.

كم كان لأيام رمضان ولياليه عبق روحاني نستنشقه مع الهواء الذي نتنفسه، وعلى قسمات وجوه أهلنا المتسمة بالسماحة وحب الخير والبعد عن الشحناء والكراهية والغيبة والنميمة، فالحمد لله كانت على شفاه الجميع، وإذا ما جاء يوم الخميس رأيت «النوافل» وهي تنتقل بين البيوت في سيمفونية تعبر عن تواصل وتكافل اجتماعي رائع، وذلك على الرغم من قلة الإمكانات، ولكن البركة كانت دائما موجودة، كم كانت تغمرنا السعادة عندما نقدم المساعدة لمن يحتاجها.

ومن بعض تلك الصور الرائعة مساعدة بعض مواطني الهند الذين يمرون على الكويت في طريقهم لأداء مناسك الحج، وكنا نطلق عليهم «سندي»، وكل منهم يحمل وعاء، وكل بيت يضع بعضا من الطعام، كنا نتسابق لمساعدة أي كفيف وإيصاله لمقصده، وفي الصباح نجتمع وكل منا يحمل كيسا من الورق، ونقوم بتنظيف السكة، ثم نقوم برمي تلك الأكياس في «بيب البلدية» الموجود في الشارع الكبير.

يا له من بون شاسع بين تلك الصورة الرائعة لأولئك الأطفال والحرص على نظافة تلك السكيك الترابية بحب فطري لهذا الوطن الغالي، وبين ما نراه الآن، وهناك تسابق لرمي أكياس القمامة من نوافذ السيارات ورمي بقايا الأكل والشرب بفتح أبواب السيارة ووضعها في الشارع دون وخز من ضمير أو رادع من دين أو أخلاق أو قانون.

في ذلك الزمان الجميل كثير ما كان تواصلنا من خلال أسطح المنازل بمودة واحترام لحرمة ساكني البيوت، كم كانت رائعة ألعابنا التي نمارسها على مدار اليوم، وإذا ما بدأت خيوط الليل تسدل أستارها لـ»نسري» لبيوتنا وقد أخذ منا التعب مأخذه، فنقوم بالبحث في «الكاشونة» عن بعض الأكل، ثم لا نكاد نضع رأسنا على المخدة حتى تأخذنا الأحلام إلى عالم آخر، وفي حال شعورنا بالتعب أو المرض كان الدواء دائما معروفا وهو «الخروع».

من ناحية أخرى فقد كانت المدرسة متنفسا آخر لنا من حيث الدراسة وممارسة الكثير من الفعاليات الممتعة في الكثير من المجالات، ويخطر على البال الأستاذ الفاضل عبدالحميد الحبشي وهو أحد الضباط في الجيش المصري، وقد تمت إعارته لحكومة الكويت في بدايات التعليم، وعندما التحقت بمدرسة المرقاب الابتدائية كان الأستاذ الفاضل يشغل منصب ناظر المدرسة، وعندما انتقلت إلى مدرسة صلاح الدين المتوسطة كان الأستاذ عبدالحميد ناظر لها، وكان ناظر ثانوية الشويخ عندما انتقلت للمرحلة الثانوية، وما زالت ملامحه مرسومة في الذاكرة بقامته الفارعة ولونه الأسمر وخطواته العسكرية، جزاك الله عنا كل خير أستاذي الفاضل وأسكنك أعلى جنانه إن كنت انتقلت إلى جوار ربك.

هناك الكثير من الصور الجميلة لذلك الزمان الجميل، لعل لنا لقاء آخر حولها، وأنا على يقين أن من عاش ذلك الزمان يصوره وذكرياته الرائعة لا يمكن أن يكون ولاؤه إلا لهذه الأرض الطيبة.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top