الرقابة والإرث الثقافي

نشر في 19-11-2017
آخر تحديث 19-11-2017 | 00:00
 ناصر الظفيري لست متشائما، لكنني لست مغرقا في التفاؤل الكاذب. ما يحدث كل عام في الاحتفالية الثقافية الأكثر أهمية يدعو للحزن، ويؤكد الإحساس بأننا خذلنا أجيالا أمضت حياتها من أجل البلد وسمعته الثقافية التي كان يتمتع بها. إننا لا نقف أمام كتاب أو رواية تم منعها، لكننا نعبث بإرث ثقافي كبير كان هو ما يعرفنا به الإخوة العرب. حينها كنا أقل عددا وأكثر فعلا، حينها كنا أقل تعليما وأكثر وعيا بمستقبلنا. وفجأة بدأنا ندمر كل شيء بلا وعي وبلا علم وبلا معرفة. هكذا نصَّبنا رقيبا يدير حياتنا الثقافية، ويحدد لأجيالنا ما تقرأ وما ترفض.

لم يعد الأمر متعلقا بكتاب يُمنع لسبب وجيه أو سخيف، لأن منع أي كتاب هو اعتداء على حرية الكتابة، لكن الأمر أكبر من ذلك، إنه تحديد وجه البلاد الثقافي. فتعيين شخص ما بصفته رقيب الكتب أو حتى لجنة من خمسة أشخاص، لتمنح صك النشر أو منعه، هو تعدٍ صارخ على حق القارئ بأن يختار الكتاب الذي يريد. من يرى أن ذلك سيسمح للجميع بالتعدي على الثوابت الدينية أو السياسية، نرد عليه بكل بساطة، بأن المتضرر المباشر من النشر يحق له اللجوء للقضاء المستقل.

ما حدث في المعرض الحالي للكتاب العربي هو مجزرة للكتب، بكل معنى الكلمة. أن يتم حجز الكتب لعرضها على الرقيب يقرؤها، ثم يبت فيها أمره أو يحيلها للجنة لتبت فيها بعد أن ينتهي المعرض هو عمل غير منطقي وغير مقبول. معرض الكويت هو ثالث أقدم معرض عربي، ويقترب عمره من نصف قرن، وهو المعرض الأكثر مبيعا بعد معرض الرياض، وأن نقلل من مكانته ليتحول من مصدر جذب للناشرين إلى مصدر طرد، فإننا نسيء لتاريخ المعرض والبناء الثقافي الذي أخلص له رجال التنوير، كأحمد العدواني وعبدالعزيز حسين وخليفة الوقيان وغيرهم.

يجب أن نواجه أنفسنا ونعترف بكمِّ الإحباط والفشل الذي أصاب شبابنا وفتياتنا منذ منتصف الثمانينيات حتى اليوم. عشاق الرياضة محبطون لما وصلوا إليه، وهم يتذكرون آخر إنجاز لهم، والذي كان في الأعوام 1982-1980، ثم أصبحوا يشجعون إخوتنا وجيراننا رياضياً. رجال المسرح يتذكرون أن آخر مسرحية جادة كانت قبل أكثر من ربع قرن، ثم انهار المسرح الجماهيري تحت وطأة التهريج والتفاهة. شبابنا الذي يتطور ثقافيا وينتج أعمالا لا تقل أهمية عن الأعمال العربية الأخرى يجدون صعوبة في نشر أعمالهم في بلدهم، ويرون في الشارقة والرياض متنفسا أفضل.

ما الذي نسعى إليه، ونحن نقص أجنحة كل ناشط ثقافي ومنتج حقيقي ونسمح لكل تفاهة، مع أنني لا أطالب أبدا بالحجر عليها، بالانتشار؟ لم أسمع أن كتبا هابطة؛ لغة وموضوعا، وروادها مجموعة من المراهقات تم منعها. لكن الرقابة يقظة ومنتبهة لما يكتبه عبدالله البصيص أو سعود السنعوسي أو بثينة العيسى أو عبدالوهاب الحمادي. وهم يعرفون أن منعهم لهذه الكتب لا يحد من انتشارها في الكويت، لكنه يشير إلى أن الكويت لم تعد واحة الحرية والديمقراطية. وجميعنا نعلم أن كتاب البصيص الذي منع دون أي سبب وجيه فاز بجائزة الرواية من معرض الشارقة هذا العام.

لم تحقق الرقابة أي هدف من منع كتاب ما، فالقارئ يستطيع الحصول على الكتاب من معرض آخر، أو من خلال الإنترنت. فكل ما يحدث هو مضايقة الناشرين الذين تحجز كتبهم، رغم ما يتحملونه من مصاريف للمشاركة في المعرض الأكثر أهمية في العالم العربي، ويضع كتابنا وصحافتنا في وضع محرج، وهم لا يملكون الحيلة لإنقاذ كتبهم من المقصلة.

أعرف أنه موضوع نكرره كل عام، لكن ربما حرضناهم على البناء، لا هدم ما تم بناؤه.

back to top