أوركسترا لندن أبدعت عزفاً بمركز جابر الأحمد الثقافي

قدمت مقطوعات موسيقية معاصرة لكبار صُناع النغم عبر التاريخ

نشر في 19-11-2017
آخر تحديث 19-11-2017 | 00:10
فرقة أوركسترا لندن سيمفوني
فرقة أوركسترا لندن سيمفوني
قدمت أوركسترا لندن سيمفوني، أمس الأول، مجموعة مميزة من الأعمال الموسيقية لكبار صُناع النغم عبر التاريخ، في ظهورها الأول في الكويت بمركز جابر الأحمد الثقافي.
استضاف مركز جابر الأحمد الثقافي أوركسترا لندن سيمفوني، مساء أمس الأول، حيث عزفت الأوركسترا، بقيادة المايسترو ألكساندر بلوك، مقطوعات موسيقية غلب عليها الطابع المعاصر أمام جمهور كبير حرص على متابعة الظهور الأول لواحد من أعرق الكيانات الموسيقية على مستوى العالم على أرض الكويت، أكثر من مئة عام من التميز تجلت في مركز الشيخ جابر الأحمد إبداعا، لتشجي الحضور بمقطوعات موسيقية لكبار صُناع النغم عبر التاريخ.

الاستماع إلى عرض حي للأوركسترا تجربة جديرة بالاهتمام، هي أقرب إلى مغامرة، لاسيما أن الحضور في مثل هذه المناسبات يتطلب التزاما تاما بالقواعد والتقاليد الصارمة التي تفرض للحفاظ على هيبة الأمسية، بدءا من الملابس الرسمية، مرورا بالتخلي لبعض الوقت عن الهواتف النقالة، وصولا إلى الإنصات، وهو درجة أعلى مرتبة من الاستماع. في حضرة أوركسترا لندن سيمفوني لن تكون مطالبا بذلك، بل ستجبر عليه عندما تنساب الأنغام من بين أنامل عازفي الأوركسترا على مدى ساعتين أو يزيد، لتسري في فضاء المسرح، وتتسلل خلسة إلى قلبك، فتداعب إحساسك، وتبحر بك إلى عوالم أخرى، فتحررك من قيود الزمان والمكان، تسيطر على مشاعرك، وتدفعك إلى درب خافتة إضاءته تتلمس الخروج منه، فلا تجد الخلاص إلا باتباع تلك الألحان.

مشاعر متضاربة

حالة خاصة من السعادة والحزن والانتشاء، مزيج من مشاعر متضاربة كانت تلك خلاصة تجربة الليلة الأولى، لاسيما أن الفرقة ستقدم حفلين بمركز جابر الأحمد، في حضرة أوركسترا لندن سيمفوني، التي قدمت مجموعة مميزة من المقطوعات، تخللتها استراحة قصيرة كانت فرصة لإعادة تهيئة النفس، لتلقي دفقة أخرى من الموسيقى. كان واضحا مدى تفاعل الجمهور وانسجامهم، الأمر الذي انعكس على أداء الأوركسترا، حيث توجه قائده بكلمة شكر للحضور في ختام الحفل.

وتأسست أوركسترا لندن سيمفوني عام 1904، لتضم مجموعة موسيقيين مستقلين تربطهم الملكية الفكرية والشراكة. ولاتزال الأوركسترا تتبع لأعضائها، ولها صوت مميز ينبثق من الحماس والبراعة المشتركة التي يمتاز بها الموسيقيون الـ 95 المبدعون الذين يأتون من جميع أنحاء العالم، ولايزال دورها في صنع الموسيقى من أسس نشاطات الأوركسترا. وهي أوركسترا مقيمة في مركز الباربيكان بمدينة لندن، تقدِّم 70 حفلا موسيقيا سنويا، إضافة إلى 70 أخرى تؤديها في جولات حول العالم. تعمل الأوركسترا مع فريق من الفنانين يضم أكبر قائدي الأوركسترا في العالم: سير سايمون راتل كمدير للموسيقى، جياناندريا نوسيدا وفرانسوا كزافييهروث كقائدي أوركسترا زائرين، مايكل تيلسون توماس كقائد أوركسترا خاص، وأندري بريفن كقائد أوركسترا فخري.

جدول مزدحم بالإبداع

شهدت الأمسية جدولا مزدحما بالإبداع، حيث بدأت الأوركسترا برقصات سيمفونية من قصة الحي الغربي (1960) لليونارد بيرنستاين، وبدأت قصة الحي الغربي عام 1949، كسجل يومي دوَّن فيه بيرنستاين فكرة عن "نسخة حديثة من روميو وجولييت تقع في الأحياء الفقيرة". وبعد سنوات قليلة، في عام 1955، كتب مرة أخرى عن كونه "تحمس ثانية لفكرة روميو، غير أنها تحولت الآن إلى موضوع عصابتين متكونتين من المراهقين، إحداهما من شعب البورتوريكو المحارب، وثانيتهما يدعو أعضاؤها أنفسهم بـ"الأميركيين". وطبق هذه الفكرة فعلا في قصة الحي الغربي التي عُرضت للمرة الأولى عام 1957، لتلاقي نقدا ممن وجدها غير مناسبة كمسرحية موسيقية، لما تحتويه من واقع قاسٍ جدا. بينما وصفها آخرون بأنها الأوبرا الأميركية العظيمة التي حاول الملحنون تأليفها على مدى عقود عديدة. أما بيرنستاين، فقد صرح بأنها ليست أوبرا، بل مسرحية موسيقية من عروض برودواي بكل معنى الكلمة، لاعتمادها على الرقص والأغنية لسرد القصة.

تكرر عرض المسرحية الموسيقية قصة الجانب الغربي 772 مرة في برودواي، ثم تنقلت في جولات حول الدولة قبل عودتها ثانية إلى نيويورك، لتقدم 253 عرضا. وفي النهاية نتج عنها فيلم ناجح جدا عام 1961.

أما الاختيار الثاني، فكان "كونشرتو الكمان" رقم 1 المقطع 19 لسيرغي بروكوفيف، والمعروف عنه انشغاله الدائم، ما منعه من الاهتمام بشكل جيد بكونشرتينو الكمان، التي كانت في طور النمو حينها، واستحوذت أوبرا "المقامر" على تركيزه التام في ذلك الوقت، وكان ذلك من مصلحة مقطوعة الكمان التي تسنى لها أن تتخمر عبر زمن طويل، كي تتطور إلى الكونشرتو الثلاثي الأجزاء الذي نعرفه الآن.

وكان لهذا العمل أن يتأخر سنوات أخرى، حيث تسببت الثورة في تعطيل العرض الأول حتى عام 1923، واستلزم الأمر البحث عن مدينة أخرى، لعرضها بدلا من موسكو، وكان لباريس أن تحتضنها. امتاز الجزء الأول والأخير للكونشرتو بطابع رومانسي، غير أن الجزء الثاني كان حادا جدا، بل ذا لمسة "حداثية". وعندما عُزف الكونشرتو الأول بنجاح كبير بعد بضعة أيام في موسكو (في نسخة للكمان والبيانو)، بدأ نجم بروكوفيف في الصعود.

السيمفونية الرابعة

كانت السيمفونية الرابعة، المقطع 36 لبيتر إليتش تشايكوفسكي، هي الاختيار الثالث على جدول حفل أوركسترا لندن سيمفوني، وتُعد السيمفونية الرابعة، التي أُلِّفت فورا بعد بحيرة البجع (أول باليه لتشايكوفسكي)، وفي الوقت نفسه الذي أُلِّفت فيه أوبرا يوجين "أونيجين"، دليلا واضحا على مدى تأثر تشايكوفسكي بالأدب الذي شكل فكره، وعلى رؤيته للحياة كتقليد مصيري للفن.

وتُعد الحركة الأولى الهائلة للسيمفونية تصريحا مرهقا للألم والحتمية، فالافتتاح "البُوقي" الحزين الذي يتبعه الحنين بصوت البرق القاطع الذي اهتزت له الأوركسترا ينبئاننا بما سيلي، فيما نستمع أيضا إلى تدرج لحن الأوتار الباكي، ويبدأ الجزء (الحركة) البطيء مع لحن باكٍ وحيد على المزمار، يدور حول الأوركسترا، ويتعزز لحنه من خلالها. ويؤدي ذلك إلى الحركة الثالثة النشيطة التي يعزف معظمها على أوتار بيزيكاتو، إضافة إلى لحن بوقي خشبي يقطعها مشكلا لخط بيكولو آمر. أما الحركة النهائية، فهي انفجار مندفع من الطاقة يستخدم لحنا شعبيا روسياً "وقفت شجرة البتولا في الحقل" كإحدى أفكاره.

قصة الحي الغربي وكونشرتو الكمان والسيمفونية الرابعة أبرز ما عزفت الأوركسترا
back to top