الخبير في التواصل والعلاقات جاك سالومي:

جسمنا أوفى رفيق لنا ولا يكفّ عن إرسال الإشارات

نشر في 15-11-2017
آخر تحديث 15-11-2017 | 00:02
No Image Caption
تعرّض جاك سالومي المتخصص في مجال التواصل والعلاقات لحادث وعائي دماغي عام 2014، وخسر قدرته على الكلام. لكنه يتجاوز تلك المرحلة بقوة وثبات إلى جانب زوجته فاليريا، ويعتبر أنه عاش «معجزة» حقيقية!

♛ كيف حالك اليوم؟

أنا حي ويسرّني أن أجري هذه المقابلة التي تسمح لي بالتعبير عن السعادة التي أعيشها بعدما استعدتُ نبض الحياة في داخلي، حتى لو كنت أتجاوز المصاعب بسبب مرضي الذي أضعفني وحرمني أغلى ما لديّ: الكلام الشفهي.

♛ كيف غيّرت تلك المحنة علاقتك بالحياة والموت؟

تجتاحني عواطف قوية... جعلتني تلك التجربة أدرك صعوبة تقبّلي للحوادث التي تصيبني وسمحت لي بإعادة التركيز على الشخص الذي أصبحتُ عليه اليوم. في فبراير 2014، تعرّضتُ لحادث وعائي دماغي حاد وأصابني نزف أخذني إلى عالم آخر طوال ثلاثة أسابيع تقريباً. شعرتُ بأن الحياة تخرج من جسمي. لم يُخِفني الاقتراب من الموت فقد كنتُ مستعداً له بدرجة معينة. كان أولادي وأفراد عائلتي إلى جانبي وشعرتُ بحب فائق للمرة الأولى على الإطلاق. سرعان ما انتشرت ذبذبات ذلك الحب غير المشروط في أنحاء جسمي المنهك. أعطاني ذلك الشعور القوة الكافية كي أعود إلى الحياة.

♛ ما الذي أرجعك إلينا بحسب رأيك؟

أمضيتُ ساعات طويلة في جو من الصمت المطبق وبقيتُ مسجوناً طوال أشهر في جسم مصاب بشلل نصفي. انتظرتُ طويلاً قبل أن أتمكن من استجماع قوتي ومواردي الداخلية وهزم جسمي الضعيف بعد تلك المحنة الصعبة. أنقذني العلاج الذي تلقيتُه في قسم العناية المشددة ووجود الفريق الطبي إلى جانبي في المستشفى وحب المقربين مني والطاقة التي منحها لي أشخاص من العالم أجمع. أشعر بامتنان شديد تجاههم جميعاً. رفضتُ أن أتابع إعادة تأهيلي في المركز الطبي وفضّلتُ أن أعود إلى منزلي، إلى الهدوء، تحت أشجاري وتحت الشمس. كان قراري جريئاً ومحفوفاً بالمخاطر من الناحية الطبية. قررتُ أن أتابع إعادة التأهيل في منزلي وبإيقاعي الخاص وتحت إشراف زوجتي. اليوم أشعر بأنني عدتُ إلى الحياة: اليوم أستطيع أن أبتسم ويمكن أن تلمس يداي الكتب وأستطيع أن أمسك بالأقلام وتتحمّل ساقاي وزن جسمي المتحرك. لكن يجب أن أتابع العمل على تحسين تعابيري... أتمسك بالأمل لأن الحياة القيّمة التي حصلتُ عليها منذ ولادتي تطالبني بالحفاظ عليها.

♛ هل تشعر بأنك عشتَ معجزة؟

استناداً إلى توقعات الأطباء، أشعر بأنني عشتُ معجزة حقيقية. أعتبر كتابي الجديد معجزة أيضاً لأنه يشعرني بالعلاقة التي تجمعني بالقراء. تكون النصوص مغلّفة أحياناً بالشعر الذي يسمح لي بطرح بعض تجارب الحياة التي جعلتني أنضج.

♛ هل ذكّرك هذا المرض بالمحنة التي عشتها في طفولتك، حين وضعتَ الجص من رأسك إلى أخمص قدميك طوال خمس سنوات وأخبرك الطبيب بأنك لن تمشي مجدداً؟

نعم! بعد أسابيع من إعادة التأهيل، تركني الطبيب أذهب ولم يعطني أي أمل، كما حصل في طفولتي. علّمتني هذه التجربة المؤلمة ألا أسمح لأي أفكار مسبقة بتحديد مساري. شغّلتُ مواردي الداخلية الخاصة كي أوقف العلاج التقليدي وأثق بقدرتي على الشفاء بفضل معالِج بالحركة واختصاصي نطق. نظراً إلى اضطراب الرابط الذي كنتُ بنيتُه حتى تلك المرحلة مع العالم ومع نفسي والآخرين، اضطررتُ إلى تغيير روابطي وعلاقاتي كي أثبت نفسي مجدداً،

لا سيما في علاقتي مع ذاتي.

♛ هل تعطي معنىً خاصاً لمرضك؟

أظن أن الأمراض بمنزلة لغات رمزية نحاول من خلالها أن نبكي ونخفي في الوقت نفسه المشاعر الصعبة التي تسكننا. يحمل كل مرض معنىً خاصاً وقدرة شفائية عاطفية أو روحية وسرعان ما يمهّد لولادة جديدة. أشعر الآن أنني على توافق جسدي ونفسي مع جسمي، بمعنى أنني أتنبه إلى الإشارات التي يرسلها. وسط هذا الصمت الذي يسكنني، أصغي إلى جسمي وأراقب روحي وأفكاري وأفكر بالحياة عموماً وبحياتي الخاصة وبما أفعله كي أطورها يومياً وما يمكن فعله لتجميلها وإحيائها وترسيخ حياة نشيطة تفوق تلك التي اعتدتُ عليها!

♛ كيف تقيّم نظرة الآخرين إليك؟

يعاملني الجميع بلطف شديد لدرجة أنني أشعر بأن الناس يتقبلونني رغم اختلافي. كانت أصعب مسألة تتعلق بتقبّل ما يحصل لي. لكني متصالح مع نفسي لأن أهم جانب من حياتي يكمن في روحي. الكلمات موجودة وتنتظر من يعبّر عنها ولا تطلب إلا أن تخرج مني وترقص وتحلم وتتواصل معكم جميعاً... لكن يؤلمني ألا يفهمها الآخرون عند التعبير عنها، لذا تنشأ أحياناً مساحة من الشك والمعاناة لأن كلماتنا لم تعد تستعمل اللغة نفسها. يمكنني أن أعبّر عبر الحركات والنظرات وبعض الأحرف والرسومات. إنها محنة مريعة. حرمني المرض من الكلام ولم أعد أستطيع أن أعبّر عن حبي للأشخاص الذين أحبهم... أكثر ما يؤثر بي عدم قدرتي على تشجيعهم لأنني كنت أجيد تشجيع الناس.

♛ بِمَ تنصح الأشخاص الذين يمرون بمحنة مماثلة؟

أنصحهم بأن يبقوا أمينين لأنفسهم ويحترموا ذاتهم الداخلية. يجب أن يسمعوا اللغات التي تستعملها أجسامهم. الجسم أوفى رفيق لنا ولا يكف عن إرسال الإشارات: فرح، وثقة، وانفتاح، أو حتى خوف ورفض وانسحاب. تسمح هذه الرسائل بفهم الذات والتساؤل عن أعمق معاني العواطف وإيجاد أفضل طريقة لتقبل ما يحصل معنا.

♛ هل تستعمل مقاربة «إسبير» التي ابتكرتَها وتشدِّد على قوة اللغة الشفهية المتبادلة كي تعبّر عن نفسك بطريقة مفهومة؟

نعم. تسمح لي هذه الطريقة المختلفة في التواصل بالاتكال على محيطي. يمكنني أن أقول ما أريده عبر ذبذبات نظراتي وحنان حركاتي ونوري الروحي.

أنا محظوظ لأنني أجد من يتجاوب معي ومن يسمعني وسط هذا الصمت! أحلم دوماً بإنشاء مدرسة لتعليم أهمية العلاجات التي يتلقاها الشخص، أي تلك الحركات الصغيرة والإصغاء المكثف بناءً على لحظات الصمت والنظرات وحركات التنفس التي تشعرنا بوجود من يتقبلنا ويحبنا.

العائلة والنشاطات

هل تعتبر زوجتك فاليريا صوتك؟

خلال فترة قصيرة، تعلّمت فاليريا أن تعرفني وتدرّبني. اليوم أستطيع أن أعبّر عن نفسي بفضلها لأنها تجيد تفسير كلماتي الصامتة. أعتبرها أهم صلة وصل بيني وبين العالم الخارجي. أشعر بأن الحب يغمرني. إنه الشعور الذي جعلنا ننضج وساعدنا على تجاوز هذه المحنة الصعبة معاً. نحن نعيش شراكة رائعة!

ماذا عن أولادك؟ كيف تشعر بحضورهم في حياتك؟

أنا أب لخمسة أولاد وأستمتع باستقبالهم جميعاً أو قد يأتي كل واحد وحده كي أشعر بحضوره وتميّزه.

ما نشاطاتك اليومية؟

فرض عليّ المرض تغييراً جذرياً لكني أبقى محارباً أبدياً وأحترم التزامي بالحياة. ما زال عقلي يضجّ بالأفكار والمشاريع التي تساعدني على رؤية النواحي الجميلة من حياتي وإيجاد تناغم في يومياتي. أتابع جلسات إعادة التأهيل حتى الآن وكنت محظوظاً لأنني وجدتُ الوقت كي أعتني بأشجاري وأتنفسها وأتأمل عظمتها، لا سيما في هذا الوقت من السنة. لديّ بستان صغير أيضاً ويسرني أن أستعمل منتجي الخاص من زيت الزيتون. يسرني أيضاً أن أتواصل حتى الآن مع قرائي. أحرص على مواكبة تبادلاتنا عبر البريد أو الرسائل الإلكترونية وتبقى فاليريا إلى جانبي دوماً. يسرني أيضاً أن أقابل جمهوري في معارض الكتب وأن أحضر بعض المناسبات الثقافية أو الندوات التدريبية التي تنظمها فاليريا. كذلك أشعر بامتنان شديد تجاه دور النشر التي أتعامل معها. أتوجه بالشكر أيضاً للمكتبات وجميع الأشخاص الذين يدعمونني في مسيرتي. وأشكر طبعاً قرائي الأوفياء الذين يساهمون في زيادة حماستي للحياة.

هل تذهب لمقابلة قرائك رغم حالتك؟

يدهشني وفاء جمهوري وسخاؤه معي. أشعر بأنني أريد أن أخبرهم بالمزيد... أخبرتهم ما أريد بطريقة مختلفة. أعتبر هذا اللقاء الاستثنائي مع كل شخص شكلاً من المشاركة المتبادلة التي ترتكز على الإصغاء واللطف والنور الروحي. أشعر بأن هذه التبادلات تشجّعني من خلال سلاسة أفكارنا المتداخلة وفيض دموعنا العذبة والصرخة التي نطلقها لإسكات الشكوك. إنه وضع كفيل بتأجيج مكنونات قلبي.

حي وسعيد بحياتي

كيف يحافظ جاك سالومي على ابتسامته الجميلة؟ يقول في هذا المجال: «أحتفظ في داخلي بجمال اللحظة التي أعيشها، وأندهش دوماً ببزوغ كل يوم جديد، وبظهور النور وبالحرارة الدافئة والغامرة. كذلك أتخيل المشاريع الجديدة التي تعزّز شغفي بالحياة، وأستكشف طريقة حياة مختلفة، وهذا ما يؤكد لي أنني حي وسعيد بحياتي!».

back to top