رأسان تحت مظلة واحدة

نشر في 14-11-2017
آخر تحديث 14-11-2017 | 00:00
 د. نجمة إدريس أحيانا يكون الإهداء عتبة من عتبات النص، يفسره أو يسنده، أو يأخذ بيد القارئ كخيط من نور. وكما هو معروف، فإن الإهداء لا يُمهَر به الكتاب إلا بعد أن يفرغ المؤلف من التأليف، وتكتمل في ذهنه الصورة الكلية للكتاب، والرسالة التي يحملها. وحين تفتتح منى الشمري مجموعتها القصصية (رأسان تحت مظلة واحدة) بإهداء موجَّه إلى "صديقة الروح"، ثم تكمل: "امتنانا لكفك التي ظلت تسند قلبي أنْ يهوي"، يشعر القارئ وكأن الصديقتين، بما بينهما من علاقة دعم وفهم، جزء لا يتجزأ من متن المجموعة القصصية، وبالتالي فبينهما حكاية قد تقترب أو تبتعد من حكايات المجموعة، إن لم تشكل معها وحدة فنية وذهنية متضامّة.

نقول ذلك، لما اشتملت عليه المجموعة القصصية من هموم نسائية محضة، وهي هموم مستمرة وباقية، لارتباطها المباشر بنمط المجتمع وتركيبته النفسية من جهة، وبشخصية المرأة الفاقدة لكينونتها والمستسلمة لقدرها من جهة أخرى. ففي كل قصص المجموعة، ما عدا اثنتين، من أصل أربع عشرة قصة، هناك نساء يعانين ضغوطا اجتماعية وأسرية مهولة، أو يرزحن تحت معوقات أشبه بالأقدار التي لا رادّ لها. وهي فعلاً عللٌ مستفحلة، لا حلول لها في مجتمع تقليدي وساكن ومتكتّم ولامبالٍ مثل مجتمعنا. علل مثل انعدام التوافق الزوجي، العنوسة، علاقات الحب المرتبكة، الأمراض النفسية والسلوكية الناتجة عن قلة التقدير والإهمال والظلم، الإحساس بالدونية وانعدام الإرادة... إلخ. وكلها علامات لأمراض واقعية وملموسة لم تحتج المؤلفة إلى خيال بعيد لتصوغها وتعيد نحتها في هذا القالب الفني.

ففي (الرجل الوطواط) تبدد الزوجة سنوات عمرها في مجاراة زوج لا يمتّ لعالمها بصلة، تطبخ، تراعي طفلها، تجهز ما يشتهي من أطعمة، تستمع إلى سماجاته، تقدم نفسها له في نهاية المساء. وهكذا، تستمر في دائرة مفرغة، "وتكمل يومها كباقي الأيام". هذه المرأة لا تختلف كثيراً عن مثيلتها في قصة (جريدة)، فهي أيضاً خاب أملها في الارتباط بالشخص المناسب، نتيجة الفروقات الاجتماعية، وعاشت في كنف رجل آخر وخيبات متراكمة.

الحزمة الأخرى في المجموعة تدور حول استحالات الحب والعلاقات السوية. ولعل أكثرها مأساوية استسهال التخلص من علاقة غير مرغوبة بالاغتيال. وليس بالضرورة أن تكون النهاية بهذه المأساوية، كما في قصة (مفقودة)، إنما يكفي أن تدلل الكاتبة على أن المرأة هي دائماً الطرف الأضعف والأكثر هشاشة، ويمكن التخلص منها بكل سهولة وبلا ندم. أما في (رأسان تحت مظلة واحدة)، فتظهر إشكالية اللعب على أوتار الحب من بعيد. فأحدهما يؤثر السلامة وعدم التورط في العلاقة، رغم الانجذاب والألفة، والآخر أو "الأخرى" تجبن عن التصريح، فهما "يتحدثان عن كل شيء إلا عنهما معاً"! وتقارب هذه الحالة الهلامية في الحب حالة "سارة" في قصة "فلفل"، التي لا تنفك تعيش ذكريات حب غابر، من خلال الأفلام الهندية،

back to top