توثيق استمرارية تنظيم القاعدة

نشر في 09-11-2017
آخر تحديث 09-11-2017 | 00:04
 ويكلي ستاندرد بعد مرور 16 سنة على خطف الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ما زالت الولايات المتحدة تخوض حرباً ضد المجاهدين حول العالم. من جنوب آسيا إلى قلب الشرق الأوسط فغرب إفريقيا، تحارب القوات الأميركية المنظمات الإرهابية التي تسعى إلى السيطرة على المنطقة مهددةً الغرب، فكيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟

في يوميات من 228 صفحة نُشرت أخيراً يتأمل بن لادن حركته المعارضة للولايات المتحدة الطويلة الأمد، إذ يعتبر زعيم "القاعدة" أن الحرب في أفغانستان كانت مهمةً "لجر الخصم" إلى صراع هدفه "استنفاد هذا الخصم اقتصادياً وكسر الخوف من مواجهة سيدة نظام العالم الجديد"، أي الولايات المتحدة، لكن هذا يتناقض مع تأكيدات بن لادن السابقة عن ضعف الولايات المتحدة المزعوم.

يشير بن لادن إلى انسحاب الولايات المتحدة المفاجئ من لبنان في مطلع ثمانينيات القرن الماضي والصومال في التسعينيات كدليل على جبن هذه القوة العظمى المفترض، إلا أن قائد تنظيم القاعدة مصيب: تُظهر مقاربة الحكومة الأميركية غير المتناسقة إلى الصراع الأفغاني، الذي كلّف دافعي الضرائب مئات مليارات الدولارات، أننا ما زلنا بعيدين عن النصر.

لكن ما عُثر عليه في أبوت آباد يبرهن أيضاً أسباب مواصلة الحرب الضرورية في أفغانستان، بما أن هذه الملفات توثّق وجود القاعدة المستمر هناك. لم يخسر بن لادن نفسه التركيز على الحرب، حتى إن أحد أتباعه ترجم أجزاء من كتاب بوب وودوارد عام 2010 "حروب أوباما" إلى العربية كي يتمكن بن لادن من فهم طريقة تفكير إدارة أوباما بشأن هذا الصراع.

سارعت "القاعدة" أيضاً إلى استغلال حرب عام 2003 في العراق، وتلقى بن لادن عدداً من التحديثات بشأن القتال، منها تقارير صوتية من أعوانه.

في أحد تلك الملفات الصوتية يقدّم له مجاهد يُدعى أبو محمد سيرة ذاتية عن أبو مصعب الزرقاوي، الذي أعلن ولاءه لبن لادن عام 2004، وتُعتبر هذه الملفات التي نُشرت أخيراً أساسية لفهم تاريخ هذه المجموعة. على سبيل المثال يتحدث أحد عملاء "القاعدة" في تقرير صوتي عن المشايخ السعوديين الذين يدعمون قضية المجاهدين. صحيح أن مشايخ السعودية الأكبر سناً لم يقدِّموا مساعدة كبيرة، إلا أن الجيل الأصغر بدا أكثر ميلاً إلى قضية القاعدة، ومن هؤلاء المشايخ الوارد ذكرهم في ملفات بن لادن الشيخ عبدالعزيز الطريفي، الذي ما زال يحظى بثناء المجاهدين حتى اليوم.

ظل بن لادن المدير الفعلي لشبكته المترامية الأطراف حتى يوم وفاته، متلقياً تحديثات من أعوانه حول العالم، وما زالت مجموعات القاعدة تمثل مشكلة لصانعي السياسات الأميركيين، فقد اكتشفت إدارة ترامب أن من الضروري أن تزيد التدخل الأميركي في الدول المنتشرة فيها. نتيجة لذلك عزز ترامب الحملة الجوية في اليمن، ومنح صلاحيات أوسع للقوات الأميركية في الصومال، وتابع عمليات القوات الخاصة في غرب إفريقيا.

ويشكل كل هذا دليلاً على أن جهاد بن لادن المناهض للولايات المتحدة ما زال مستمراً اليوم.

علاوة على ذلك تكشف وثائق أبوت آباد أن تنظيم القاعدة أعدّ "جيلاً جديداً" من القادة بغية استبدال مَن فُقدوا في حملة الطائرات من دون طيار الأميركية، ومن هؤلاء خلف أسامة الوراثي والعقائدي حمزة بن لادن.

منذ عام 2015 نشر تنظيم القاعدة سلسلة من الرسائل الصوتية من حمزة، وحرص القيّمون على حملة هذه المجموعة الدعائية على عدم إظهار وجه ابن أسامة البالغ، خوفاً على الأرجح من أن يزيد ذلك المخاطر التي تهدد أمنه، فعلى سبيل المثال احتفل تنظيم القاعدة أخيراً بذكرى اعتداءات 11 سبتمبر بوضع صورة حمزة وهو صغير على أحد البرجين.

ولكن بفضل أحد أشرطة الفيديو التي نُشرت قبل أيام تمكنا أخيراً من التعرف إلى الشاب البالغ حمزة، صُوِّر شريط الفيديو هذا خلال حفل زفافه في إيران قبل نحو عقد من الزمن، مما يعني أن هذه الصور ليست حديثة، وعلى غرار أفراد عائلة بن لادن الآخرين هرب حمزة إلى الأراضي الإيرانية في أواخر عام 2001، ويشير ملف من 19 صفحة نُشر أخيراً إلى أن مفتي القاعدة البارز أبو حفص الموريتاني تفاوض مع إيران ليضمن هذا الملجأ الآمن عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، وتذكر الوثيقة ذاتها أن إيران قدّمت "لإخوان سعوديين" في تنظيم القاعدة "كل ما يحتاجون إليه" حتى "المال والسلاح والتدريب في معسكرات حزب الله في لبنان مقابل ضرب مصالح الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج". وفي وثيقة أخرى نُشرت سابقاً وصف بن لادن إيران بأنها "شريان [القاعدة] الرئيس الذي يمده بالتمويل، والعناصر، ووسائل الاتصال".

احتُجز حمزة مع أفراد آخرين من أسرة بن لادن في إيران في مرحلة ما، فتحوّلت عمليات الاحتجاز هذه إلى موضوع خلاف كبير بين الطرفين، ونتيجة لذلك عمد تنظيم القاعدة إلى اختطاف مسؤول إيراني بارز بغية إرغام إيران على تحريرهم، ولا شك أن خلافات عدة نشبت بين هذين الطرفين في مراحل مختلفة، ومع ترجمة المزيد من الملفات وتحليلها، سنكتشف على الأرجح معلومات إضافية عن تعاملات إيران المعقدة مع أعوان بن لادن.

مر على وفاة بن لادن أكثر من ست سنوات، لكن الثورة الجهادية التي أطلقها ما زالت مستمرة، ولا شك أن أسرار بن لادن، التي بات الكثير منها متوافراً للجميع للمرة الأولى، تكشف معلومات قيّمة عن أسباب ذلك.

* توماس جوسلين

* «ويكلي ستنادرد»

back to top