خفض سن التقاعد... نعمة أم نقمة؟

نشر في 07-11-2017
آخر تحديث 07-11-2017 | 00:10
 السفير فيصل راشد الغيص إنه لأمر محزن حقا أن يتدافع عدد لا يستهان به من أعضاء مجلس الأمة لإقرار قوانين يعلمون هم جيدا أنها تدميرية للبلاد، لمجرد تحقيق مكاسب شعبوية وانتخابية، وآخر مشروع قانون من هذا القبيل هو المتعلق بتخفيض سن التقاعد للكويتيين، وللكويتيين فقط. معلوم في علم الاقتصاد الاجتماعي أن البلدان كثيفة السكان والتي تعاني مشكلة البطالة تلجأ إلى تخفيض سن التقاعد لتوفير مواقع عمل أكثر للمنتظرين، وحتى هذه البلدان تفعل ذلك بحذر كبير بحيث توازن بين هدف توفير مواقع عمل إضافية والكلفة على ميزانية الدولة الناتجة عن زيادة أعداد المتقاعدين نتيجة لخفض السن القانونية. أما البلدان قليلة السكان مثل الكويت فتلجأ إلى رفع سن التقاعد الإلزامي إلى 70 عاما فأكثر لسد النقص في عدد الموظفين والأيدي العاملة، ولتتجنب الحاجة إلى استقدام موظفين وعمال أجانب، وهذا وضع تحسد عليه هذه البلدان لأنك كلما زدت عدد سنوات العمل للمواطن خفضت العبء المالي على نظام الضمان الاجتماعي، وبالتالي على الخزينة العامة، وأمكن للبلد أن يوفر لمواطنيه نظام ضمان اجتماعي أفضل.

إن ما يحدث في الكويت يسير تماما عكس المنطق، وكأنما هناك من يدفع بشكل منهجي ومقصود لتفريغ الوظائف من الكويتيين. إن سن التقاعد الحالي- 65 عاما للرجال و55 عاما للنساء– هي أدنى من المفروض في حالة الكويت، ومع ذلك صدر قانون غريب معمول به منذ عدة سنوات هو التقاعد الإلزامي لكل قيادي بعد خدمة 30 عاما بغض النظر عن سنه، وهو ما يمثل في رأيي مخالفة دستورية كونه يتعارض مع قانون سن التقاعد الإلزامي، علاوة على كونه يحرم البلاد من الخبرات التراكمية التي تحرص عليها جميع البلدان.

ثم نفاجأ الآن بمشروع القرار المعروض على البرلمان حاليا لتخفيض سن التقاعد ليس للقياديين فحسب، بل لعموم الموظفين الكويتيين، والذي شرح مساوئه عدد من المختصين، ابتداء من حرمان البلاد من خدمات أبنائها، وزيادة الحاجة إلى العمالة الأجنبية وزيادة التركيبة السكانية سوءاً، إلى تفليس مؤسسة التأمينات الاجتماعية، إلى إحداث حالة من الفراغ والإحباط لدى الشباب الكويتيين، وغير ذلك من نتائج وخيمة. لا أود الحديث عن التساؤل لدى كثير من المواطنين عن دور ديوان الخدمة المدنية ومن هم الذين يسيّرونه في الحقيقة، لكنني أود أن أؤكد أن عضوية البرلمان تضع على كل عضو مسؤولية تقديم المصلحة العليا للوطن على مصالحه الشخصية الضيقة. ولقد أعجبت حقا بموقف البرلمان اليوناني في أوج أزمة الديون اليونانية منذ بضع سنوات حينما صوّت أغلبية أعضائه لصالح حزمة الإصلاحات والإجراءات الاقتصادية والمالية التي قدمها البنك الدولي ومجموعة البلدان الدائنة، وذلك برغم معارضة الشارع اليوناني لتلك الحزمة والمظاهرات الحاشدة ضدها، لكن لايزال لدينا أمل في أن يتراجع هؤلاء النواب المحترمون عن مشروعهم موضع البحث، وأملنا بهم كبير.

***

في التفاتة سياسية وإنسانية كريمة حمّل سمو أمير الكويت، حفظه الله ورعاه، السيد رئيس مجلس الأمة رسالة مودة وتقدير ووفاء من شعب وحكومة الكويت إلى فخامة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، بصفته صديق الكويت وقائد التحالف الدولي لتحريرها من الاحتلال العراقي، وذلك في شهر أكتوبر الماضي. وحملت هذه المبادرة الأميرية أهمية خاصة كونها جاءت في هذا العمر المتقدم للرئيس بوش، أطال الله عمره.

ونقل إلينا الأخ رئيس المجلس مشكورا عبر وسائل الإعلام مدى سعادة الرئيس بوش بالرسالة الأميرية وسعادته هو شخصيا بلقاء الرئيس بوش وبردة فعل الرئيس العاطفية، وهذا كله أمر جيد ومفرح لنا جميعا. لكنني أود أن أوجه سؤالا إلى رئيس مجلس الأمة المحترم: ألا ترى أن شخصيات كالرئيس بوش والسيدة ثاتشر- رحمها الله- تستحق أن نطلق أسماءها على أماكن عامة أو شوارع رئيسة لتبقى ذكراها خالدة ودائمة للأجيال القادمة، وليعرف العالم أننا شعب وفي؟ أليس حريّاً بمجلس الأمة أن يتخذ مبادرة من هذا القبيل، طالما لم تفعل الحكومة ذلك؟ كم كان جميلا لو أنك حينما نقلت إلى الرئيس بوش رسالة سمو الأمير أبلغته في الوقت نفسه بقرار إطلاق اسمه على أحد الأماكن العامة في الكويت!! وياليتنا فعلنا– أو نفعل- الشيء ذاته للسيدة ثاتشر.

back to top