ترامب يعزز الراديكاليين الإيرانيين

نشر في 18-10-2017
آخر تحديث 18-10-2017 | 00:03
أحد الأسباب التي تدفع المتشددين الراديكاليين الإيرانيين هو الاعتقاد أن المواجهة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أمر لا مفر منه، وأن قوى الوكالة مثل حزب الله هي أداة إما لردع العدوان أو للانتشار العسكري عندما يبدأ القتال.
 بروجيكت سنديكيت نادرا ما اتفقت الولايات المتحدة وإيران على كيفية المضي قدما فى المحادثات النووية أو القضايا الأخرى الخاصة بعلاقاتهما الثنائية، لكن أوجه التعاضد والتشابه بين المتشددين الإيرانيين والصقور في الإدارة الأميركية الحالية عميقة، وهذا أمر غير بدهي، والواقع أن استراتيجية دونالد ترامب الجديدة حول إيران أعطت الراديكاليين في طهران سببا للاحتفال، لأنهم وجدوا في الولايات المتحدة حليفا غير مباشر في سعيهم إلى الهيمنة السياسية.

لسنوات أكد "المتطرفون المحافظون" في إيران- وهو المفهوم الذي يجمع بين المحافظين المتطرفين في شؤون الإيمان والفلسفة مع وجهات النظر المتطرفة حول العنف- بأن التفاوض والتقارب مع الولايات المتحدة شيء سخيف وتافه. ويعتقد هؤلاء المتشددون أن الولايات المتحدة مهتمة فقط بتغيير النظام، ومحاربة الإسلام في المنطقة.

دفع هذا الرأي بإيران إلى تقارب أوثق مع روسيا والصين، وشلت العقوبات ذات الصلة بالمفاوضات النووية في السنوات الأخيرة الاقتصاد الإيراني وأوصلته إلى حافة الانهيار، الأمر الذي أجبر المحافظين الإيرانيين على التفاوض بحسن نية مع المجتمع الدولي.

حتى بدون عقوبات، كان الاقتصاد الإيراني قد تعرض لضغوط شديدة، وأدى الفساد وسوء الإدارة، إلى جانب التحديات الهيكلية والخارجية- مثل انخفاض أسعار النفط، ونقص المياه، وتفشي البطالة- إلى إضعاف النمو الاقتصادي بالفعل. وانضمت الصين وروسيا إلى أحدث جولة من العقوبات، مما جعل موقف الراديكاليين غير مقبول.

لكن بعدما شعر المتشددون الإيرانيون بالإحباط بسبب المفاوضات السابقة، في الواقع اختفت خيبة أملهم أمس، فخطوة قرار ترامب لتحدي الاتفاق النووي المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015- أو خطة العمل المشتركة- أعطتهم انتصارا غير متوقع، وفي حين أن العقوبات الأكثر فعالية قد رُفعت بالفعل، والتي من غير المرجح أن يعاد فرضها، فقد اكتسب المحافظون الإيرانيون نقاطا سياسية يمكنهم استخدامها ضد خصومهم في الداخل.

وفي إيران دأب التحالف القوي للقوى المعتدلة على الدعوة إلى سياسة خارجية أكثر دينامية؛ بدءا من الإصلاحيين والمنشقين إلى الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، واحتراسا من نفوذ روسيا وغموض نوايا الصين دعمت هذه القوى التوجه الغربي المستمر في العلاقات الاقتصادية والسياسية، ودعا المعتدلون إلى سياسة خارجية حذرة وأكثر مسؤولية بشأن البرنامج النووي للبلاد، وسعت إلى تعميق العلاقات مع الشتات الإيراني، على أمل أن تساعد علاقات أوثق في حل بعض التحديات الاقتصادية الإيرانية الأكثر تعقيدا.

فالمعتدلون الإيرانيون فهموا أن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع المجتمع الدولي كان معيبا، لكنهم أيدوه في نهاية المطاف، على أمل الاستفادة منه بفتح مزيد من آفاق الحرية في الداخل، فقد وعد الرئيس حسن روحاني بنسخة محلية من الاتفاق لضمد الجروح السياسية لإيران، ومواصلة معالجة مشاكله الاقتصادية، ويعكس هذا التعهد جهود روحاني الواسعة لتحدي وتقويض سلطة الحرس الثوري الإسلامي، التي تتجلى في سيطرته على مساحات واسعة من الاقتصاد الإيراني. والآن، ومع تحرك ترامب، أصبح جدول أعمال روحاني، وأجندة الائتلاف المعتدل بأكمله، معرضة للخطر.

كان معظم أولئك الذين دعموا الاتفاق النووي في الولايات المتحدة يدركون عيوبه أيضا، لكنهم اعتبروا الاتفاق فرصة لإشراك الإيرانيين الذين يعارضون المتطرفين المحافظين، واعتقد أنصار أميركا أن حيوية المجتمع المدني الإيراني ووسائل الإعلام الاجتماعية تبشر بالخير بالنسبة إلى البلاد، وأعربوا عن أملهم في أن تصبح إيران المنفتحة على الأسواق العالمية أكثر ليبرالية على الصعيد السياسي.

ويرى منتقدو الاتفاق أن تجارب إيران للصواريخ البالستية استمرت بلا هوادة بعد أن تم إصدار خطة العمل الشاملة، ولكن من الحماقة أن نعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تقيد الأنشطة النووية والإقليمية في إيران من جانب واحد بمجرد انسحابها، والواقع أن الهدف النهائي للاتفاق- وهو إبطاء تخصيب اليورانيوم ووقف التجارب النووية- بدأ يؤتي أكله، ومهما كانت مشكلة ترامب مع الاتفاق فمن الجدير بالذكر أنه لا يمكن لأي بلد إصلاح أمر رَفَضَه. ورفض خطة العمل الشاملة لن يحُث النظام الإيراني إلا على استئناف الأنشطة التي كان من المفترض أن تراقبها أو تقلصها الاتفاقية.

وإن تحدي ترامب لـ"خطة العمل الشاملة" سيدعم على الأرجح سلوكا فظيعا آخر، فأحد الأسباب التي تدفع المتشددين الراديكاليين الإقليميين- مثل دعم الميليشيات في اليمن وفلسطين ولبنان- هو الاعتقاد أن المواجهة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أمر لا مفر منه، وأن قوى الوكالة مثل حزب الله هي، من هذا المنظور، أداة إما لردع العدوان أو للانتشار العسكري عندما يبدأ القتال.

صحيح أن وكلاء إيران لم يضعوا بنادقهم نتيجة للاتفاق النووي، لكن تقلصت التوترات مع الولايات المتحدة. الآن مع ترامب المتقلب الأطوار عادت إمكانية المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، الأمر الذي سيقوي فقط عزم القوات الإيرانية بالوكالة.

وإن إلغاء الولايات المتحدة الأحادي الجانب لخطة العمل الشاملة هو باختصار أسوأ الخيارات السياسية على الإطلاق، وبغض النظر عما يقوله ترامب، هناك الكثير من الناس في إيران، والولايات المتحدة، الذين يتقاسمون هذا الرأي.

* عباس ميلاني

* زميل باحث ومدير مشارك لمشروع الديمقراطية الإيرانية في مؤسسة هوفر، وهو مدير الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد.

«بروجيكت سينديكيت، 2017»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top