القوات العراقية تدخل كركوك بالتوافق مع أطراف كردية

● بغداد تنشر جنودها في أغلبية المناطق المتنازع عليها بعد اشتباكات محدودة مع البيشمركة
● «حزب البارزاني» يتهم جناحاً في «حزب الطالباني» بـ «الخيانة» ويكيل الاتهامات لـ «الحرس الثوري»
● «برود» من واشنطن و«التحالف»
● أنقرة تفرض حظراً جوياً على أربيل
● طهران توقف تدفق البضائع

نشر في 17-10-2017
آخر تحديث 17-10-2017 | 00:05
في إطار تداعيات الأزمة التي أثارها تنظيم إقليم كردستان استفتاء بشأن الاستقلال رغم رفض الحكومة الاتحادية في بغداد، نفذت القوات العراقية الاتحادية انتشاراً عسكرياً في معظم المناطق المتنازع عليها مع الأكراد، وسط مواجهات محدودة مع البيشمركة، وذلك بالاتفاق مع أطراف كردية.
بدأت القوات العراقية قبل منتصف ليل الأحد- الاثنين انتشاراً عسكرياً كبيراً، تمكنت خلاله من بسط سيطرتها على أغلبية المناطق المتنازع عليها التي سيطرت عليها القوات الكردية بالكامل بعد 2014، في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى، باستثناء المناطق الواقعة في محافظة نينوى، وذلك بعد اشتباكات محدودة مع البيشمركة الكردية، ووفق اتفاق مع أطراف كردية تحدثت عنه مصادر عدة.

كركوك

وفي وقت متأخر من مساء أمس الأول، بدأت القوات العراقية التقدم باتجاه كركوك ثاني أغنى محافظة بالنفط بعد البصرة، وتبادلت القصف المدفعي مع البيشمركة، لكن مع حلول الصباح تبين أن قطع القوات الكردية بدأت تنسحب من مواقعها وتسلمها للقوات الاتحادية.

وتمكنت القوات العراقية من السيطرة بشكل كامل، أمس، على حقول نفطية ومطار كركوك العسكري وأكبر قاعدة عسكرية (كي وان) في كركوك. ومع حلول المساء، دخلت هذه القوات الى مبنى محافظة كركوك، وورفعت العلم العراقي فوقها.

وسمح انسحاب قوات البيشمركة من مواقعها في جنوب كركوك للقوات العراقية تحقيق هذا التقدم السريع.

وأكد النائب جاسم محمد جعفر أمس، أن نائب محافظ كركوك راكان الجبوري، وهو عربي سني، تولى إدارة مهام المحافظة بالوكالة إلى حين اختيار محافظ جديد، بدل المحافظ الكردي نجم الدين كريم، الذي أقاله البرلمان العراقي قبل أسابيع لدعمه الاستتفاء.

العبادي

من جهته، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس، إن العملية العسكرية الجارية لن تستهدف مواطني إقليم كردستان إنما «لفرض سلطة الحكومة الاتحادية وفرض الأمن وحماية الثروة الوطنية»، داعياً جميع المواطنين الى التعاون مع القوات العراقية «التي تعمل على حماية المدنيين بالدرجة الأولى وفرض الأمن والنظام وحماية منشآت الدولة ومؤسساتها».

كما دعا العبادي قوات البيشمركة إلى أداء واجبها تحت القيادة الاتحادية «باعتبارها جزءاً من القوات العراقية المسلحة»، مطالبا جميع الموظفين في كركوك بالاستمرار في أعمالهم بشكل طبيعي وعدم تعطيل مصالح المواطنين.

صلاح الدين وديالى

وفي السياق، أفاد مصدر أمني أمس، بأن القوات العراقية سيطرت على قضاء طوزخرماتو المتنازع عليه في محافظة صلاح الدين، الذي شهد اشتباكات محدودة بين القوات الكردية و»الحشد الشعبي» أوقعت عدداً من القتلى من الطرفين قبل ان تنسحب البيشمركة.

وكشف مصدر محلي في محافظة ديالى أمس، عن بدء انسحاب قوات البيشمركة من ناحية جلولاء، المتنازع عليها شمال شرق المحافظة، كما أكد أن قوات البيشمركة المرابطة في ناحية قره تبه في ديالى أخلت مقراتها العسكرية.

وقال مصدر آخر، إن «مقرات الأحزاب الكردية في مركز ناحية مندلي شرق بعقوبة تم إخلاؤها من قبل قياداتها»، مضيفا أن «قوة من الحشد الشعبي انتشرت في تلك المقرات».

37 ألف كلم مربع من المناطق المتنازع عليها

تسلط الأزمة الحادة التي تمر بها العلاقات بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان الأضواء مجدداً على قضية الأراضي المتنازع عليها بينهما منذ عام 2003، ومن بينها محافظة كركوك الغنية بالنفط.

وتشكل المناطق المتنازع عليها شريطاً يبلغ طوله أكثر من ألف كلم يمتد من الحدود مع سورية حتى الحدود الإيرانية، وتبلغ مساحتها نحو 37 ألف كلم مربع.

ويمر هذا الشريط إلى جنوب محافظات إقليم كردستان الثلاث اربيل والسليمانية ودهوك، التي تتمتع بحكم ذاتي، ويشمل أراضي في محافظات نينوى، وصلاح الدين، وديالى، بينما تعد محافظة كركوك أبرز المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل.

ووفقاً للجغرافي الفرنسي المختص في إقليم كردستان سيريل روسل، فإن «المناطق المتنازع عليها تعد المعالم الرئيسية للخلاف بين السلطة المركزية والإقليم الكردي».

وشُكل إقليم كردستان، الذي يتمتع بحكم ذاتي ويبلغ عدد سكانه 5.5 ملايين نسمة، بعد حرب الخليج الأولى عام 1990، وتبلغ مساحته 75 ألف كلم مربع. وتم ترسيخ ذلك دستورياً عام 2005.

لكن هذا الإقليم لا يعكس الحقيقة التاريخية بالنسبة للاكراد، الذين يؤكدون أن ثلث الشعب الكردي مستبعد من الإقليم، كما حقول النفط الواقعة في محافظة كركوك، والتي يفترض برأيهم ضمها الى الإقليم.

وسيطرت قوات البيشمركة تدريجياً على المناطق المتنازع عليها، مستغلة ضعف القوات المسلحة التي كانت تعيد تشكيل وحداتها اثر قيام الحاكم المدني الأميركي بول برايمر بحل الجيش بعد اجتياح العراق عام 2003، ثم في أعقاب الفوضى التي سادت اثر اجتياح تنظيم «داعش» في 2014.

وينتشر المقاتلون الأكراد ضمن مساحة 23 ألف كلم مربع من الأراضي، 9 آلاف منها في محافظة نينوى، و6 آلاف و500 في محافظة كركوك، و1500 في محافظة صلاح الدين، و3500 في ديالى، و2500 أخرى في منطقة مخمور، التي يعتبرها الأكراد جزءاً من محافظة اربيل، وكانت ملحقة بمحافظة نينوى في تسعينيات القرن الماضي.

ويشير روسل إلى أن قوات «البيشمركة كانت بالفعل موجودة قبل عام 2014 في المناطق المتنازع عليها بشكل مختلط مع قوات بغداد».

لكن في يونيو 2014، انسحبت قوات من الجيش والشرطة العراقية أمام الهجوم الشرس للجهاديين الذين سيطروا على نحو ثلث مساحة البلاد.

ويضيف روسل ان «انسحاب الجيش العراقي آنذاك سمح للاكراد بالاستفراد بالسيطرة على المناطق التي كانوا فيها».

انقسام كردي

وأظهر الهجوم إلى العلن انقساماً كبيراً بين الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل جلال الطالباني، والذي ينقسم إلى أجنحة عدة، ولديه علاقات قوية مع إيران، والذي كان يفضل عدم إجراء الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها، وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني أكبر حزب كردي ويتزعمه رئيس الإقليم مسعود البارزاني، منظم الاستفتاء.

وتسيطر قوات البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني على المناطق الجنوبية في محافظة كركوك، فيما تفرض البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني سيطرتها على المناطق الغنية في النفط شمال المحافظة وشرقها.

حزب البارزاني والبيشمركة

واتهم الحزب الوطني الكردستاني بزعامة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، العبادي بالتصعيد، وبتسليم البلاد الى إيران، معتبراً أن أجنحة في حزب الاتحاد الوطني ارتكبت خيانة وتآمرت مع بغداد.

بدورها، أصدرت القيادة العامة لقوات البيشمركة، التي يسيطر عليها، بياناً بشأن الانتشار الذي تقوم به القوات العراقية، مشيرةً إلى أن «حكومة العبادي هي المسؤول الأول عن إثارة الحرب ضد شعب كردستان، ويجب أن تدفع ثمناً باهضاً لهذا الاعتداء».

ووصفت القيادة الهجوم بأنه «إعلان حرب على شعب كردستان، وانتقام من شعب كردستان الذي طالب بالحرية». واتهمت قيادة البيشمركة، بعض مسؤولي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بتسليم مواقعهم من دون قتال، كما اتهمت الحرس الثوري الإيراني بقيادة «الهجوم».

وأشار البيان الى أن «هجوم الحشد والقوات العراقية تم بأسلحة ومدرعات ودبابات أميركية وأسلحة أخرى للتحالف الدولي»، لافتا الى أن «تلك الأسلحة الأميركية قدمت للجيش العراقي تحت اسم محاربة داعش، وهي تستخدمها الآن ضد البيشمركة».

السفارة الأميركية

وبعد برود ظاهر، أعربت الولايات المتحدة، عن «القلق البالغ» إزاء وقوع ما وصفتها بـ»أعمال عنف» في كركوك.

وقالت السفارة الأميركية في بغداد في بيان صحافي، «نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تشير إلى وقوع أعمال عنف في كركوك، ونأسف لأي خسائر في الأرواح»، داعية «جميع الأطراف إلى وقف العمل العسكري فوراً واستعادة الهدوء».

وأكد البيان «نواصل العمل مع مسؤولي حكومتي المركز والإقليم للحد من التوتر وتجنب وقوع المزيد من الاشتباكات»، مضيفا «نحن نؤيد الممارسة السلمية للإدارة المشتركة من قبل حكومتي المركز والإقليم، بما يتفق مع الدستور العراقي في جميع المناطق المتنازع عليها».

وشدد على أن «داعش يظل هو العدو الحقيقي للعراق، ونحن نحث جميع الأطراف على مواصلة التركيز على إكمال تحرير بلدهم من هذا الخطر». من جانبه، طلب التحالف الدولي بقيادة واشنطن، بعد اجتماع مع قيادة البيشمركة في أربيل، من الحكومة العراقية وإقليم كردستان «تجنب التصعيد»، موضحاً أن اشتباكاً عراقياً كردياً محدوداً جرى في منطقة كركوك نجم عن «سوء فهم»، ومعرباً عن اعتقاده أن الانتشار الذي جرى تم باتفاق الطرفين. وقال التحالف إن «قوات التحالف والمستشارين لا يدعمون أي نشاطات لحكومة العراق أو حكومة إقليم كردستان بالقرب من كركوك، ولكنهم على بينة من تقارير عن تبادل محدود لإطلاق النار خلال الساعات الأولى من الفجر».

وتابع: «نعتقد أن الاشتباك الذي حصل كان نتيجة سوء فهم، وليس متعمدا من قبل بعض الأفراد في نطاق الرؤية المحدودة في ذلك التوقيت».

وبالتزامن مع التطورات، وافق مجلس الوزراء التركي أمس، على إغلاق المجال الجوي إلى كردستان.

وقال المتحدث الرسمي بكر بوزداغ، إن تركيا بدأت العمل لتسليم السيطرة على معبر الخابور الحدودي الرئيسي مع إقليم كردستان إلى الحكومة المركزية العراقية.

بدورها، أعلنت إيران أمس، انها أوقفت نقل البضائع عبر حدودها مع إقليم كردستان العراق لأسباب «أمنية». وقال مساعد وزير الداخلية الإيراني حسين ذوالفقاري، «تم وقف نقل البضائع من المعابر الحدودية مع الإقليم حتى استتباب الأوضاع»، معرباً عن أمله بتسوية «مشكلة» كردستان العراق عن طريق الحوار بين الحكومة الاتحادية في بغداد والإدارة الكردية بأربيل.

back to top