الموسيقار حليم الرومي... حياته وإنجازاته في كتاب

• جامعة الروح القدس اللبنانية كرّمته

نشر في 17-10-2017
آخر تحديث 17-10-2017 | 00:04
ماجدة الرومي وإلى جانبها رئيس الجامعة والأب بديع الحاج
ماجدة الرومي وإلى جانبها رئيس الجامعة والأب بديع الحاج
أبدع الموسيقار حليم الرومي نحو ألفي لحن، واكتشف أصواتاً كثيرة أطلقها في عالم الغناء، أبرزها فيروز، وفايزة أحمد، وسعاد محمد، ونصري شمس الدين... منذ أشهر قليلة أطلق اسم «حليم الرومي» على الاستوديو رقم 5 في الإذاعة اللبنانية، في احتفال رعاه وزير الإعلام ملحم الرياشي. وأخيراً، كرّمت جامعة الروح القدس- الكسليك في لبنان الفنان الراحل.
كرّمت جامعة الروح القدس- الكسليك في لبنان حليم الرومي في احتفال دعت إليه وعائلة الموسيقار الراحل، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً بالنائب ميشال موسى، وقدّمت الجامعة إلى عائلة الرومي والنائب موسى كتاب «يرنو بطرف- حليم الرومي، حياة وإنجازات»، من تحقيق الأب الدكتور بديع الحاج.

وهو اختار هذا العنوان، كما قال، لأن «يرنو بطرف» أحد الموشحات التي لحنها حليم الرومي، وكان من الأحب إلى قلبه. وتابع: «حاولت الإضاءة على سيرة إنسان كرّس حياته في سبيل إعلاء شأن الموسيقى العربية عموماً والموسيقى واللبنانية خصوصاً. حياة ملؤها الكفاح في سبيل تحقيق الإنجازات.

العمل توثيقي، يسرد سيرة حياة الرومي مستنداً إلى مذكراته والحوارات الصحافية والإذاعية والتلفزيونية، ويسلط الضوء على إنجازاته الموسيقية في العزف والغناء والتلحين والتوزيع والنقد، والإدارية في إذاعتي الشرق الأدنى والإذاعة اللبنانية. كذلك يبرز دوره ومساهمته في اكتشاف المواهب وتدريب أصحابها بغية إيصالها إلى ميدان العمل الفني والموسيقي من جهة، وتشكيل جيل جديد ومتطور من عازفين وملحنين ومطربات ومطربين من جهة ثانية، بحسب الحاج.

وأرفق الكتاب بأسطوانتين من 15 عملًا تعرف بإنتاج حليم الرومي الموسيقي: قصائد، وموشحات وأغان من تلحينه وأدائه.

إلى جانب د. بديع الحاج، حضر الاحتفال كريمة المحتفى به الفنانة ماجدة الرومي وعائلته، ووزير الإعلام ملحم الرياشي، ووزير السياحة أواديس كيدانيان، والنائب آلان عون، والرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الرئيس الأعلى للجامعة الأباتي نعمة الله الهاشم، ورئيس الجامعة الأب البروفسور جورج حبيقة، وغيرهم من شخصيات.

«مدينة الملوك»

ماجدة الرومي قالت في كلمة مؤثرة: «وعيت الدنيا في بيت جميل، حوله أبي إلى معهد للفنون الجميلة. كنت أسمع فيه الأصوات الخالدة الآتية إلينا من إذاعة لبنان، ومن صوت القاهرة. كنت أسمع الشعر الملهم الآتي إلينا من برنامج «لغتنا الجميلة» لفاروق شوشة، عبر الأثير المصري. وكنت أعشق في بيتنا الجمالات التي يحيطنا بها لبنان، وأعيش على إيقاعات الفرح والفراشات والسنونوات. وكنت في زوايا البيت، في كفرشيما، أراقب العابرين من عندنا، صحافيين وممثلين وشعراء ومطربين ومطربات، إما قدمهم والدي إلى لبنان، بالتوجيه والإرشاد، بالاكتشاف والمتابعة، وإما واكبهم بحكم الصداقة والاحتفال بالحياة. الكل مر من أمام عيني. الكل مر ببيتنا المبارك».

هكذا شهدت ماجدة الرومي بأم عينها لزمن لبنان الجمال والسلام، بحسب قولها. و«ما أبعدنا اليوم عن ذياك الزمن الجميل، زمن الأصالة الفنية وأصوات الذهب. وما أقسى غربتنا في زمن «تجرنة» كل شيء. وما أشد اعتزازنا بمن يسعى جاهداً إلى الحفاظ على قدسية لبنان وأصالته في كل مجال، خصوصاً الثقافة والفنون الجميلة، الناطقة باسم روح لبنان وهويته».

«مدينة الملوك»

وفي كلمته أوضح رئيس الجامعة الأب حبيقة أن الرومي أبصر النور عام 1919 في مدينة صور، «مدينة الملوك» كما كان يلذ له أن يدعوها، لأن عائلته كانت من ربان البحر وأسياده». وأضاف: «السمة الطاغية في حياة حليم الرومي إنما هي الترحال الدائم، في مطاردة عنيدة لصنوف الإبداع والحداثة. كان يسكنه أبداً قلق المعرفة وهاجس الأجمل. منذ أولى سنوات طفولته، اختبر في لاوعيه مرارة الرحيل وحلاوته، وقساوة الانسلاخ ونشوة الاكتشاف. فكان انتقاله مع ذويه من صور إلى حيفا، ككثير من عائلات لبنان التي انهكتها ويلات الحرب العالمية الأولى. هناك تبرعمت أحاسيسه الجمالية في مداعبة الألوان التي كان والده يتقن تلاقحها كمزخرف وخطاط ورسام».

ذكاؤه المتوقد وتعددية مواهبه، كما قال حبيقة، صاغا منه مثالاً للتلميذ المتفوق في مواد التحصيل المدرسي كافة. فكما نقول إن التاريخ وليد الجغرافيا، هكذا وقع حليم الرومي في عشق هاتين المادتين غير المنفصلتين ودخل متألقا ومبدعا في تاريخ موسيقى هذا المشرق المستلقي على جغرافيا من التنوع الفني المغني والمثري في شقيه الروحي والعلماني. في انطلاقته الأولى في حيفا، تربع على عرش المرتل الأول في جوقة المدرسة التي كانت تقوم بخدمة الاحتفالات الدينية وعلى عرش خليفة أم كلثوم على مسرح بستان الانشراح.

وتابع: «جوعه المزمن لمناهل الموسيقى الشرقية لم يدعه يكتفي بما حصل عليه على يد الموسيقي فوزي سليم، فراح حلم السفر إلى القاهرة ليلتحق بمعهد الموسيقى الشرقية الذي كان يدعى آنذاك معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية، يقض مضجعه وينهك أعصابه. بعد تعثرات متلاحقة، تحقق أخيراً ما كان يصبو إليه. وفي اليوم الرابع من نوفمبر 1937، هرول الرومي إلى ميناء حيفا وصعد بشغف المغامر إلى متن باخرة صغيرة تحمل اسم زعفران، متجهاً إلى بور سعيد. فاستقبله في اليوم التالي مصطفى رضا بك، رئيس المعهد الموسيقي، وطلب منه أن يعزف على آلة القانون ويغني ليكون فكرة عن موهبته. فأدى بصوت خلاب وعزف ماهر قصيدة: يا بلبل الروض ما أشجاك أشجانا فاملأ ربى الروض أنغاما وألحانا، فانذهل مصطفى بك، وقال لمن كان في صحبة حليم الرومي: «ما عسانا أن نضيف إلى ما يعرف! إنه مكتمل المعرفة». وفي سنتين فقط أنهى ديبلوماً يمتد على ست سنوات. وهكذا انطلق في مشواره في الإذاعة المصرية والمسارح والاستعراضات والأفلام السينمائية. وتجلى بقوة في خانة المطرب والملحن. فانضم إلى فرقة «سمار الليل» التي كان من بين مؤسسيها الشيخ زكريا أحمد ورياض السنباطي والكمنجاتي يعقوب طاطيوس».

وأشار الى أنه «لأسباب عائلية، عاد حليم الرومي إلى حيفا عام 1941 وبدأ العمل في إذاعة الشرق الأدنى حيث كان يدير برامجها الفنان اللبناني يحيى اللبابيدي، فتبوأ فيها مرتبة الفنان الأول مطرباً وملحناً وعازفا على العود، ثم ما لبث أن عين رئيساً لقسم الموسيقى فيها، فأسهم في دفعها إلى المرتبة الأولى بين إذاعات المشرق. إلى ذلك، فاز عام 1941 بجائزة تلحين نشيد الجيش العربي الأردني. وفي 17 يوليو 1949، تزوج في بور سعيد بماري لطفي التي تعرف إليها في حيفا. وفي أوائل شهر يناير 1950، عادا إلى لبنان لقضاء شهر العسل. فكان شهر العسل للإذاعة اللبنانية حيث عين الرومي رئيس قسم الموسيقى ثم رئيس قسم مكتبة التسجيلات. على مدى 30 عاماً، رفع الموسيقار القسم الموسيقي في الإذاعة اللبنانية إلى أعلى المراتب، تنظيماً وذوقاً وإبداعاً. واكتشف مطربين وفنانين. بلغ إنتاجه الفني زهاء ألفي لحن، منها فقط للإذاعة اللبنانية نحو خمسمئة وخمسين لحناً، موزعة على الأغاني والقصائد والموشحات والأوبريتات.و نال الجائزة الأولى في مسابقة تلحين الموشحات الأندلسية، التي نظمها مجمع الموسيقى العربية في تونس سنة 1972».

حقبة ذهبية

وألقى كلمة راعي الاحتفال رئيس مجلس النواب، النائب موسى الذي قال: «أن نتكلم عن حليم الرومي، يعني أن نتوقف عند حقبة ذهبية من تاريخ الفن العربي عموماً، واللبناني خصوصاً، وعند، موهبة فذة تفتحت باكراً طرباً ولحناً وعزفاً. فمملكة حليم الرومي ليست من هذه الأرض، إنها عطية من سماء الفن المرصعة بعطر الكلمة وأناقة اللحن».

وأشار إلى «أن ما حققه من إبداع في الإذاعة وعلى المسارح منذ انطلاقه عام 1935، في فلسطين ومصر ولبنان، إلى حد إطلاق لقب «خليفة أم كلثوم» عليه، متميزاً بأعماله الفريدة ذات العمق والأصالة، خصوصاً القصائد والموشحات والأوبريتات. كذلك كان له الفضل الكبير في اكتشاف المواهب الفنية وتشجيعها، خصوصاً تقديمه السيدة فيروز إلى الأخوين رحباني. ولا ننسى المداميك التي بناها في الإذاعة اللبنانية، بعد تمرسه في إذاعة الشرق الأدنى، مكرساً حياته وعطاءاته للبنان والفن».

موشحات

تخلل الاحتفال تقديم مجموعة من الموشحات والأغاني من ألحان حليم الرومي وأداء جوقة «الغناء العربي» في كلية الموسيقى بقيادة الدكتورة غادة شبير: «غلب الوجد عليه» (كلمات: محمود سامي البارودي)، «يرنو بطرف فاتر» (شعر قديم)، «اسمع قلبي» (كلمات نزار قباني)، «يا حمام يا مروح بلدك» (كلمات فتحي قورة).

جورج حبيقة: السمة الطاغية في حياة حليم الرومي كانت الترحال الدائم

ماجدة الرومي: والدي حوّل بيتنا إلى معهد للفنون الجميلة
back to top