الإعداد للتقاعد.. بداية مرحلة جني ثمار تعب السنين

يواجه المتقاعدون بعد تركهم العمل صعوبات عدة

نشر في 13-10-2017 | 11:04
آخر تحديث 13-10-2017 | 11:04
د. نعيمة طاهر ود. أمثال الحويلة
د. نعيمة طاهر ود. أمثال الحويلة
بعد سنوات طويلة من اعتياد العائلة على ذهاب الاب او الام للعمل يأتي وقت تقاعدهما ببلوغهما سن التقاعد لتبدأ مرحلة جني ثمار تعب السنين والتي تتحدد صعوبتها او يسرها على مدى استعدادهما لتلك الفترة الصعبة من حياتهما.

ويواجه المتقاعدون بعد تركهم العمل صعوبات عدة أبرزها كيفية مواجهة التغيرات المتوقعة في حياتهم لاسيما الشعور بالفراغ والاكتئاب والاحباط والوحدة الى جانب انخفاض الدخل الشهري وكذلك خطر الإصابة بالأمراض النفسية والجسدية.

وأمام المتقاعد طريقان فإما ان يختار طريقا صعبا خاليا من المسؤولية او طريقا سهلا يبني به نفسه من خلال البحث عن عمل تجاري خاص يساعده على الإنفاق على الاسرة والإيفاء بالتزاماته المادية.

وبعد الحياة العملية للموظفين ببلوغهم سن التقاعد تبدأ مرحلة جديدة يطلق عليها (حياة التقاعد) التي يراها البعض حياة غير منتجة ومملة لا تخلو من طابع الروتين القاتل.

الا ان العديد من الموظفين كانت لهم خططهم الخاصة لتنفيذها بعد التقاعد الذي يعد المستقبل او السكن الذي يتم البناء عليه حتى يكون مناسبا العيش فيه.

وفي لقاءات أجرتها وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الجمعة مع عدد من المتقاعدين اجمع هؤلاء على ضرورة الاستعداد لتلك الفترة جيدا حتى لا يتحول التقاعد إلى كابوس قد يقلب حياتهم رأسا على عقب.

وأكدوا أهمية بحث الفرد عن عمل تجاري خاص به او ممارسة هواية كان يفضلها حتى لا يصبح عالة على أسرته بسبب الفراغ ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة في المنزل ويفتعل المشكلات التي قد تؤدي احيانا الى الطلاق.

وقالت المتقاعدة شيخة الشمري التي كانت تعمل في شركة نفط الكويت لمدة 25 سنة انها لم تفكر حتى الان في تنفيذ مشروع تجاري خاص بها بعد التقاعد موضحة انها ركزت اهتمامها بتعلم العلوم الشرعية وحفظ القرآن وتفسيره.

واضافت انها لم تتمكن بحكم طبيعة عملها من مزاولة أشياء كانت ترغب بها بشدة ومنها تلاوة القرآن وتجويده باستمرار الى جانب المحافظة على صحتها الجسدية من خلال ممارسة التمارين الرياضية.

وذكرت ان حياة التقاعد مكنتها كذلك من قراءة كتبها المفضلة ومتابعة الأحداث المحلية والإقليمية والدولية عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل معها بالنقاش والتحليل والنقد.

وقالت الشمري انها حرصت عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اداء دور فاعل بنصح بعض المغردين وحثهم على عدم الانسياق وراء الشائعات التي تثير الفتن والبغضاء في المجتمع ولا تستند الى مصدر رسمي.

واضافت انه ينبغي على الجهات المعنية مساعدة المتقاعدين على تغيير أساليب قضاء أوقات فراغهم من خلال الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في التدريب او تهيئة سبل ووسائل التسلية التي يحتاجونها.

من جهته قال ناصر عبدالله الذي كان يعمل في الحرس الوطني انه تفرغ في حياة التقاعد الى ممارسة هوايته المفضلة بتربية الأغنام والإبل والاتجار بها.

وأوضح انه يقضي حاليا معظم أوقاته في رعاية الغنم والإبل في صحراء الكويت والاستفادة من مشتقاتها وتوزيعها على الأهل والأقارب والاصدقاء.

وقال ان عمله في هذا المجال عزز معرفته في سلوك واساليب التعامل مع الإبل والأغنام وأبرز الأمراض التي قد تصيبها الى جانب تكوين الصداقات وبناء العلاقات مع الآخرين الذين يشاركونه الاهتمامات نفسها.

وأضاف عبدالله انه حرص على ان استغلال واغتنام وقت الفراغ بشيء مفيد ووضع برنامج لتحديد مهامه ومسؤولياته مؤكدا انه رحلته في الحياة لا تتوقف بالتقاعد فقط.

من جهته قال محمد الرويلي الذي كان يعمل في الادارة العامة للجنسية والجوازات انه تفرغ بعد 29 عاما من العطاء والنشاط الى الاهتمام بالجانب الزراعي في حديقته المنزلية لاسيما زراعة النخيل كونه من أبرز الهوايات التي يفضلها.

وأضاف انه نظرا لشغفه الكبير بالزراعة تمكن من استقدام جهاز خاص بالصنابير يساعد على ترشيد استهلاك المياه اثناء الري او تنظيف السيارات.

وأكد ان "الجهاز نال إعجاب معهد الكويت للابحاث العلمية الذي تبناه ودعمته وزارة الكهرباء والماء اثناء حملتها الوطنية لترشيد استهلاك المياه".

وقال الرويلي ان حياة التقاعد اتاحت له كذلك فرصة زيارة عدد من الدول التي كان يرغب في زيارتها والتعرف على معالمها السياحية والثقافية وعاداتها وتقاليدها.

وأضاف انه يسعى دائما الى إيجاد الأنشطة البديلة التي يستطيع ان يقضي بها وقت فراغه لما يمثله العمل من أهمية كبرى في حياة الفرد تتعدى الأهمية المادية.

من جهته قال ناصر الشمري الذي كان يعمل في وزارة الداخلية لمدة 29 عاما انه أسس شركة لبيع وشراء العقار مع احد أصدقائه بعد دراسة عميقة استمرت عاما كاملا.

وأضاف انه واجهته في بداية الامر بعض الصعوبات في مجال العمل العقاري بسبب قلة الخبرة لكنه تمكن من التغلب عليها والسير بثبات مستفيدا من مواقع التواصل الاجتماعي والصحف المحلية في التسويق والإعلان.

وشدد الشمري على ضرورة الاهتمام بالمتقاعدين لاسيما أولئك الذين يملكون خلاصة التجارب الميدانية في جميع المجالات.

وفي هذا الإطار قالت استاذ مساعد في قسم علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية - جامعة الكويت الدكتورة نعيمة طاهر لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان التقاعد يعد مرحلة استراحة بعد سنوات من العمل والتعب والاجهاد الجسمي والنفسي يبدأ بها الشخص بالعمل لحسابه الخاص لشغل اوقات الفراغ والتكسب التجاري.

واضافت ان هذه المرحلة يحقق بها المتقاعد ما لم يستطع تحقيقه في السابق وهي مرحلة لبدء النشاط الرياضي والسفر والرحلات العائلية واللعب مع الاحفاد والتمتع بدور الجد او الجدة.

وذكرت ان الاجهاد النفسي هو حالة إعياء بدني أو إرهاق يصيب الفرد كرد فعل لضغوط نفسية حقيقية أو متوقعة في الحياة وكثيرا ما يعاني الناس من الإجهاد نتيجة لأحداث مرت في حياتهم ومنها حالات الوفاة أو الطلاق أو مشكلات في العمل.

واوضحت ان الإجهاد قد يصاب به أي إنسان يشعر بأنه لا يستطيع الخروج من مأزق ما وقد يؤدي الى انخفاض مستوى التواصل وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار التي تشغل الإنسان وكذلك الى عدم القدرة على تجاوز الإحباط والاكتئاب الناتج عن شدة الضغوط.

وذكرت ان الكثيرين قبل التقاعد كانوا يعانون من تأثير الإجهاد وضغوط العمل اليومي والتي تسبب في تراجع الوقت المخصص للأنشطة مع الأطفال وعدم القدرة على معرفة مشكلاتهم ورغباتهم وبالتالي التعامل معهم بعصبية أو انفعال زائد.

واكدت ان مواجهة المشكلة وتحديد سببها الحقيقي يعدان المفتاح الأساسي لحلها والقضاء على التوتر المصاحب لها داعية المتقاعدين الى ممارسة الرياضة والهوايات المحببة لديهم وتناول غذاء صحي ومتوازن باعتباره عنصرا مؤثرا في أداء الإنسان ومزاجه.

وشددت على ضرورة المحافظة على "حميمية" العلاقة مع الشريك الاخر لما لها من دور مهم في التخلص من القلق والتوتر وذلك من خلال شرح ما تعانيه من مشكلات او انفعالات.

واكدت ان هذا الامر يمكن الشريك من التعرف على ما يعاني منه المتقاعد ليتحول إلى داعم وباحث عن سبل المساعدة.

من جهتها قالت عضو هيئة التدريس في قسم علم النفس بجامعة الكويت الدكتورة أمثال الحويلة ان من أبرز التغيرات الجسدية والصحية التي يواجهها المتقاعد ظهور أعراض تقدم السن مع الوقت ما يجعله يشعر بأنه يشكل عبئا ثقيلا على المحيطين به ولا يستطيع الاعتماد على نفسه اضافة الى ضعف الذاكرة والنسيان ونقص التركيز وضعف بنيته الجسمانية.

  وقالت الحويلة وهي أيضا رئيس مركز الاسرة للاستشارات الاجتماعية والنفسية ل(كونا) ان المتقاعدين لا يستطيعون التكيف مع الحياة الجديدة الخالية من النشاط والتفاعل الاجتماعي ما يدفعهم الى الشعور بالكسل وعدم المشاركة في الحياة الاجتماعية.

  واضافت انه وفق دراسة أجرتها جامعة (ميرلاند) بالولايات المتحدة فان الإصابة بأمراض القلب والشرايين والسكر والروماتيزم تعد من أبرز المخاطر الذي يواجهها المتقاعدون فيما رأت ان التوقف التام عن العمل بعد التقاعد سواء المبكر أو العادي له تأثير سلبي على الصحة البدنية.

  وذكرت انه من خلال متابعة أكثر من 12 ألف شخص من سن 51 إلى 61 على مدار ست سنوات اكتشف العلماء أن المتقاعدين وأصحاب المعاشات الذين انخرطوا بعد تقاعدهم في وظائف مؤقتة أو جزئية كانت معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة الرئيسية أقل من معدلاتها بين أقرانهم الذين توقفوا تماما عن العمل بعد التقاعد.

  وقالت ان نشاطهم العام وقدرتهم على أداء المهام الحياتية الاعتيادية كانا أفضل أيضا وحتى الفوائد النفسية والعقلية التي تجنى من التقاعد كان قدرها أعظم بين المتقاعدين الذين انخرطوا في أعمال مؤقتة أو جزئية.

  وافادت بأن من أبرز التغيرات النفسية التي يواجهها المتقاعد ايضا هي الشعور بالوحدة والاكتئاب والشعور بعدم القيمة والحاجة إليه من قبل المجتمع وأسرته وكذلك شعوره بفقده الاصدقاء.

  وذكرت ان المتقاعد يواجه العديد من المشكلات ومنها العزلة وزيادة وقت الفراغ وانخفاض الدخل الشهري الى جانب إحباط معنوياته ما يجعله يشعر بأنه غريب داخل البيت ويختار البديل بمغادرة المنزل وقضاء وقته بأحد المقاهي أو الحدائق هربا من المشكلات التي يواجهها داخل بيته.

  ودعت الحويلة المتقاعدين الى مواجهة التغيرات المتوقعة في حياتهم بالاعداد لهذه المرحلة قبل سن التقاعد من خلال تحسين علاقاتهم مع الناس والتخفيف من الأعمال المكتبية المرتبطة بالعمل.

  وقالت أن الحفاظ على النشاط الذهني والبدني في مرحلة التقاعد أو المشاركة في النشاطات الاجتماعية أو التطوع في مجالات إنسانية والمساهمة في خدمة مجتمعية يعد في حد ذاته نشاطا ذا أثر وقائي ضد تدهور الحالة النفسية والقدرات الذهنية وضد الإصابة ببعض الأمراض التي تنتج عن تباطؤ النشاط العقلي والبدني.

  وطالبت الدكتورة الحويلة الجهات المعنية بضرورة الاستفادة من خبرات وتجارب المتقاعدين الى جانب إنشاء المزيد من مراكز وأندية المسنين في جميع المناطق والمحافظات كما ناشدت الأهل والأبناء منح المتقاعد الحب والحنان والاحترام والسؤال الدائم عنه للاحساس بأهميته.

ومن باب رد الجميل حرصت دولة الكويت على مراعاة المتقاعدين وتقديم معاملة خاصة بهم بإصدار بطاقة التأمين الصحي للمتقاعدين (عافية) التي يستفيد منها نحو 107 آلاف متقاعد مسجل بنظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.

ويرى الكثيرون إصدار بطاقة (عافية) نقلة نوعية للخدمات الصحية في الكويت وتوفر تكافؤ الفرص لفئة قدمت إلى البلاد الكثير من العطاء.

وحرصت جهات عدة في الكويت على الاستفادة من الخبرات المتراكمة للمتقاعدين ونقلها للجيل الصاعد من الشباب باعتبارها كنزا كبيرا وضرورة حتمية تسهم في دفع عجلة التنمية في البلاد.

back to top