6/6 : الأستاذ والحيَّة والجنِّي الصغير

نشر في 13-10-2017
آخر تحديث 13-10-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم "شادي الخليج" ليس فقط مطرباً مبدعاً ورائداً من رواد الفن الغنائي والموسيقي الكويتي، وليس فقط عميداً للشدو الوطني في بلادنا، بل هو ظاهرة، وحالة فنية كويتية متفردة لن تتكرر بسهولة في تاريخ الغناء والموسيقى الكويتية، وركن من أركانه، الذي احتوى عبر ما يقارب الستة عقود من زماننا الفني على عطاءات وإبداعات قلَّ نظيرها في ملامسة شغف وقلوب أجيال تلك المراحل، وسُكنى وجدانهم، لتبقى شاهداً على أُستاذيته وصدارته كشيخ لمطربي الكويت، بل والخليج العربي بأسره.

استمتعت مع كوكبة من الذوِّيقة والمهتمين بالشأن الثقافي والفني في الكويت بمحاضرة للأستاذ عبدالعزيز المفرج أقيمت الاثنين الماضي في مركز جابر الأحمد الثقافي، وأحسن إدارتها د. عباس الحداد، حيث أمتعنا بسرده الشيق، وتسلسله الرشيق، مستعرضاً مراحل حياته الزاخرة بالعطاء الفني والإداري، ومفصحاً عن جوانب مهمة وقيِّمة للأدوار التي لعبها في وزارة التربية، بعد انتقاله إليها من وزارة الشؤون، بُعيد تخرجه في القاهرة في عصر عمالقة الفن والغناء والأدب والثقافة.

أثبت الأستاذ عبدالعزيز نجوميته كراوية، مثلما هو كبير النجوم في الغناء، وأمتعنا بذكرياته كمحارب سعى إلى غرس بذور الفن الأصيل في مجتمعنا، مثلما أمتعنا بأعماله الغنائية الراقية، واستذكر معنا إسناد أميرنا الراحل الشيخ جابر الأحمد له، حين كان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، تطوير فنون الموسيقى في المدارس، لأهميتها في صقل الذائقة الفنية للمجتمع.

شرح الأستاذ، بِظُرفه المعهود، كيف وضع يده عام ١٩٧٠ على مدرسة عائشة الابتدائية للبنات المنشأة في منطقة جبلة عام ١٩٥٢، وحوَّلها كمركز للتوجيه والدراسات والتأهيل الموسيقي في وزارة التربية بالكويت، رغم تخويف ناظرة المدرسة له، آنذاك، من الحيَّة الرابضة في سقف مكتبها، والتي قد تلدغه إن دخل المكان، وتُرديه قتيلا! وكذلك رغم ترهيب ناطور المدرسة له، بأن تلك المدرسة مسكونة "بالينانوة*" الصغار، وحجم كل "ينّي" بطول كف اليد يملأون المدرسة طوال الليل صراخاً وركضاً، بقيادة "عتوي*" ضخم لا يهاب البشر!

لكن الأستاذ أصرَّ على حيازة المدرسة، كمركز لطموحاته في خدمة الفنون الموسيقية في بلده، ورعاية تدريسها للأجيال، وصقل مواهبهم، وإطلاق إبداعاتهم الموسيقية والغنائية، فضلاً عن تحويلها إلى ورشة تنتج الآلات الإيقاعية تحديداً من مخلفات المواد المستخدمة في العمران، ليحقق بها اكتفاء ذاتياً لمدارس الكويت تحت شعار "ماكو شي ينقط، أي يُرمى".

فعل الأستاذ ذلك غير آبه بخرافات "حيّة الناظرة، وينانوة نواطير المدرسة، وأساطير العتوي المسكون"، وحقق أحلامه وطموحاته، التي جاء بها إلى ذلك الموقع، حتى غادره بعد التحرير، حيث دمره الغزو.

المؤسف، أن تتحول مدرسة عائشة، التي كانت مركزاً متوهجاً بالعطاء طوال أربعين عاماً، إلى "خرابة" في أيامنا هذه تعبث بها القطط والكلاب الضالة تحت سمع وبصر الجهات الحكومية المختصة، وهي المصنفة من المباني التاريخية الأثرية الواقعة تحت مظلة منظمة اليونسكو، والمطلوب المحافظة عليها.

الأستاذ ناشد الأخ علي اليوحة الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب سرعة التدخل، لإنقاذ هذا المبنى التراثي الأصيل، مع استعداده لأن يعمل ناطوراً به، وكلنا معه.

* الينانوة: الجان

* العتوي: القط الذكر

***

همسة:

بشَّرنا الأستاذ بأنه يعكف على إنجاز أوبريت "مذكرات بدوي" من كلمات المرحوم أحمد العدواني، وألحان الأستاذ أنور عبدالله، استكمالاً لمذكرات بحار... وسننتظر بلهفة.

back to top