تضحية لا امتياز

نشر في 04-10-2017
آخر تحديث 04-10-2017 | 00:08
إن ما يصرف للنائب من مبالغ استثنائية من الحكومة، وإن كان مباحاً قانوناً، فهو غير مباح في الأخلاقيات السياسية، فكيف لنائب تصرف له المبالغ الاستثنائية من الحكومة شهرياً أن يكون في الوقت نفسه رقيبا ومحاسباً لها؟!
 علي محمود خاجه فجأة طفت على السطح من دون سابق إنذار مسألة ما يسمى "الرواتب الاستثنائية" لنواب مجلس الأمة، الأمر الذي استغربه البعض بحجة أنه ليس بالأمر الجديد، بل قد مضى على تطبيقه أكثر من ربع قرن، وقد استفاد منه أكثر من مئة نائب على مر الفصول التشريعية المتعاقبة، وليس هناك ما يدعو للاستنكار أو الدهشة أو التشكيك.

وقد يتقبل بعض الناس هذا العذر، إلا أنني لا أجده يشفع لأي نائب سابق أو حالي في القبول بمثل هذه المبالغ الشهرية التي تصرف له بحجة أنها باتت من عادات وتقاليد العمل البرلماني، وقد سبقهم الكثير من النواب إليها، فما مورس في السابق لا يعني صك غفران للآتي، فقد يكون عدم علم الرأي العام بمسألة هذه المبالغ الاستثنائية هو ما جعل الأمر مقبولا في الفصول التشريعية السابقة، علما أن رفض هذه المبالغ أيضا ليس بالأمر الجديد، فالنائب راكان النصف رفضها منذ دخوله للمجلس والأستاذ مشاري العصيمي رفضها منذ مجلس 1992.

أما العذر الآخر لتقاضي هذه المبالغ من بعض النواب كان، وحسبما صرح أحدهم، بأن ما يتقاضونه من مجلس الأمة أقل مما كانوا يتقاضونه في وظائفهم السابقة! وهو عذر قبيح جدا يصور العمل النيابي كأنه امتياز وظيفي أو ترقية من وظائفهم السابقة تتطلب رواتب أكبر، وهو أمر غير مقبول أبدا، فالعمل النيابي أو الترشح لمجلس الأمة هو أمر اختياري لا إجباري، وترك نعيم رواتب الوظائف السابقة هو أمر يعود للمرشح نفسه وليس لميزانية الدولة، والتعاطي مع العمل النيابي كامتياز هو مفهوم خاطئ لا يستقيم مع طبيعة دور النائب.

فالعمل النيابي عبارة عن تضحية لا امتياز، فالنائب يفترض أن يقدم جهداً أكبر في عمله عما كان عليه في السابق، وأن يمثل الناس بشكل إيجابي، وإن كان ذلك على حساب أسرته ودخله المادي ومجهوده العملي، أما التعاطي مع كونكم نوابا في مجلس الأمة بأنه امتياز فهو أمر يتطلب حتما مراجعتكم لأنفسكم، وكذلك إعادة النظر من قبل الناخبين الذين أساؤوا الاختيار حتما، فهم لم يختاروكم لتنالوا الوجاهة.

والأهم من كل ما سبق هو أن ما يصرف لكم من مبالغ استثنائية من الحكومة، وإن كان مباحاً قانونا، فهو غير مباح في الأخلاقيات السياسية، فكيف لنائب تصرف له المبالغ الاستثنائية من الحكومة شهريا أن يكون في الوقت نفسه رقيبا ومحاسبا لها؟! الأمر الذي سيجعل كل موقف متقارب مع الحكومة محل شك وتساؤل يجب أن ينأى النائب بنفسه عنه.

فإن كان النواب اليوم يعتقدون أن ما يتقاضونه يتطلب تعزيزا وزيادة لتمكينهم من أداء الوظيفة النيابية بشكل أفضل فمن باب أولى أن يتجهوا لتحديد المبالغ التي تتناسب مع العمل البرلماني اليوم، بدلا من قبول هذه المبالغ الاستثنائية.

ضمن نطاق التغطية:

ما يثير الاستغراب في القائمة المنشورة للنواب المستفيدين من هذه المبالغ الاستثنائية أن بينهم شخصيات ميسورة ماديا بل ثرية أيضا، وهو ما يعني ألا حاجة لهم بتلك المبالغ الاستثنائية إلا أنهم تقدموا بطلب الحصول عليها!!

back to top