د. محمود عثمان: كلما شاهدت سماء لبنان تحوَّل دمي إلى حبر

• أصدر ديوانه الجديد «عويل الكمنجات»

نشر في 04-10-2017
آخر تحديث 04-10-2017 | 00:03
شاعر وروائي يهوى الأرض ويخشى على الطبيعة والريف اللبناني من الزوال تحت ضغط حضارة العمران، وفي خط موازٍ ينبض قلمه بقضية الإنسان المهمش والمقهور، إنه الدكتور محمود عثمان الذي أصدر أخيراً مجموعته «عويل الكمنجات» ويحضّر دوماً لإنجاب مزيد من «أطفال الورق».
د. حمود عثمان يلقب بـ «شاعر المكمل» من مواليد بلدة بيت الفقس في قضاء الضنية (مشرف على مدينة طرابلس، ويشكل امتداداً لجبل المكمل)، وهي حاضرة باستمرار في مجمل نتاجه الأدبي، حائز دكتوراه دولة في القانون وإجازة في الأدب العربي، يمزج في نتاجه الأدبي بين الفلسفة والأدب، ويذهب في رؤاه للحاضر والمستقبل، سواء في الفكر والثقافة أو في الحياة عموماً، إلى طرح المشاكل والمعضلات بأبعادها كافة، وبعضها لا يخلو من حساسيّة دينية أو اجتماعية، متلمساً ربما بعضاً من نور قد يؤدي إلى حلول معينة، من دون أن يغرق في البحث، بل يحافظ على لغة أدبية سلسة تستعير أدواتها من عشقه الدائم الطبيعة.
معروف عنك أنك شاعر الريف، كيف تحدد هذا النوع من الشعر وما هي أبرز مقوماته؟

لعلكم تريدون إطرائي بوصفي شاعر الريف. وأنا فخور بهذا النّعت ولكني لا أحب وضع الشاعر في خانة معيّنة. كأن يقال هذا شاعر المرأة وذاك شاعر الرثاء أو الهجاء. حسبي أن أكون شاعراً وشاعراً فقط. كما أني لا أعتقد أنّ للشعر الريفي مقومات. وأترك هذا الشأن للدارسين. ربما ثمة مقوّمات للشعر أو الشاعر كأن يكون موهوباً ومجنوناً على سبيل المثال.

في دواوينك الشعرية الأربعة ورواياتك الثلاث تؤطر كتاباتك الشعرية والنثرية في إطار الطبيعة وتعبّر بلغتها، هل تخشى على الريف اللبناني من الزوال؟

أحسنت. هذه الملاحظة سمعتها كثيراً. فالطبيعة هي الإطار الدائم لشعري. وهو أمر عفوي جدّاً. ذاك أنّي معجون بالطبيعة ومعجونة بي. ألم أقل في ديوان «جناس عابر»: «لماذا كلما شاهدتُ سماء لبنان يتحول دمي إلى حبر». من جهة ثانية أنا أخشى فعلاً زوال الريف واضمحلاله بعد الزوال التدريجي لحضارة الريف. كلما أصعد بالسيارة إلى ضيعتي أتأمل البساتين والحقول الخضراء مردّداً: لن أراها بعد عشر سنوات أو عشرين سنة. ترى هل سيرى أحفادي هذا الجمال الساحر للريف اللبناني. ويحي من جشع الإنسان وغباوته.

الإنسان والطبيعة

أيهما الأهم في كتاباتك سواء الشعرية او النثرية: حماية الطبيعة أو قضية الإنسان المهمش المقهور لا سيما في القرى النائية البعيدة عن المدن والعاصمة بيروت؟

الإنسان والطبيعة قضية واحدة. هل يمكن أن تكون معافى في بيئة طبيعية فاسدة؟ وبالعكس ألا تشاطر الأشجار والأطيار والأنهار الإنسان المقهور حزنه وآلامه؟ الإنسان والطبيعة واحد لا يتجزأ. ولو أتيح لك الإطلاع على تجربتي الأدبية شعراً ونثراً ستجدين مدى اهتمامي بالإنسان في موازاة اهتمامي بالكون من حوله. طبعاً يتناول الشاعر الأمر بطريقة تختلف عن الدراسات والمناهج التي يعتمدها عالم الاجتماع مثلّا.

تستلّ من الطبيعة ضوء قمر وشعاع شمس في يوم متأجج الحرّ، وتعبّر من خلالهما عن مكنوناتك، عن مخاوفك وآلامك وآمالك، فهل تقصد من ذلك أنسنة الطبيعة من خلال الثنائية في العلاقة بينها وبين الإنسان؟

أنسنة الطبيعة. يا له من مصطلح. شخصياً، لا أرى أنّ الأمر يحتاج إلى هذا الجهد. فأنا مؤمن بأنّ الزهرة تتنفس والشجرة تتكلم والحجر ينبض كقلب. في هذا السياق يحضرني المتصوفة وابن عربي. الإنسان كون صغير والكون إنسان كبير. وعليه فالأنس تبادل وتفاعل بين الإنسان والطبيعة. وهذا ما تجسّده الصور الشعرية من خلال الاستعارات تشخيصاً وتجسيماً.

في مشوارك مع الشعر والرواية كيف توزع أفكارك؟ وهل ثمة تخصيص أفكار معينة للشعر وأخرى للرواية؟ أي هل تقصد تصوير الجمال في الشعر والبشاعة المتأتية من الظروف المختلفة التي يواجهها الإنسان في الرواية؟

الجمال كما البشاعة ليس صفة لنوع أدبي من دون آخر. ثمة أسلوب جميل وأسلوب رديء أو بشع سواء في الرواية أو في الشعر. الشعر فن الاختصار والرواية فن التفاصيل. الرواية هي الفواكه بقشورها والشعر «كوكتيل». مرونة الرواية تساعدها على استيعاب التعقيدات والمفارقات والتناقضات بطريقة أكثر سلاسة ووضوحاً.

صوت القلب

إلى أي مدى تستطيع الموازنة في كتاباتك بين حضور الإنسان والطبيعة؟

ليس لدي ميزان كبائع الخضار. والشاعر لا يملك فواتير ولا دفاتر حساب. بل هو مولع بركل الموازين. ولا يصغي إلا إلى صوت قلبه. لعل قلبه ميزان الذهب الوحيد الذي يزن به إحساسه ونبض العوالم ما ظهر منها وما بطن.

هل توافق ما يتردد اليوم من أن زمن الرواد ولّى كذلك زمن المدارس الشعرية؟

طبعاً لا أؤمن بهذه الخرافة. أردد ما قاله أبو العلاء المعري: «إنّي وإن كنت الأخيرَ زمانه لآتّ بما لم يستطعه الأوائل». أما المدارس الشعرية فهذا من شأن النقد. تهمني القصيدة أكثر من الأدوات التي تقوم بدراستها وتفكيكها.

عشقك للطبيعة الريفية وللأرض الذي ينبض به شعرك هل تقصد من ورائه حث الشباب على عدم ترك الوطن بجعلهم يتحسسون جمال أرضهم؟

العاشق لأرضه لا يهجرها طويلاً. قد يبتعد ليعود مشتاقاً أكثر. تماماً كما هو التكتيك المتبع في علاقة حب. والإحساس بالجمال يزيد من تعلقنا بالأرض والكائنات التي تشاطرنا العيش فيها وعليها

في كتابك «قمر على بيت الفرزدق» تلقي أضواء على شعراء قرى جبل المكمل، فما الذي دفعك إلى وضع هذا الكتاب، وهل ثمة خصوصية يتميز بها هؤلاء الشعراء؟

«قمر على بيت الفرزدق» هو مجموعة شعرية وليس كتاباً نقدياً. وهو يمثل نموذجاً ساطعاً للشعر المنبجس من ينابيع جبل المكمل. خصوصية هذا الشعر المكملي هي خصوصية الطبيعة التي ينتمي إليها. النضارة والاخضرار والتنوع والطيبة والنقاء والشموخ واختلاف الفصول والألوان.

سحر البيان

رداً على سؤال حول ما إذا كان الشعر اليوم يركز على الجماليات في الشكل والأسلوب أم أضحى نسخة من الواقع بما فيه من تناقضات وقبح، يوضح د. محمود عثمان: «ثمة من يزعم أنّ الشعر المعاصر تحرر من البيان والبديع والمحسّنات الفنيّة. وأنا أزعم أنّه رأي فيه شيئاً من المغالاة. ذاك أنّ الشعر لا ينفصل عن الجمال. والسحر جزء من وظيفة الشعر والفن. وهل ثمة سحر أروع من سحر البيان. وهذا لا يعني الغلو والوقوع في الشكلانيّة الفارغة ولا يعني طبعاً الانحياز إلى الكلام العادي المجرّد من لهب الشعر».

أخشى زوال الريف واضمحلاله بعد الزوال التدريجي لحضارته
back to top