ماذا يعني الفوز المذهل لحزب «البديل من أجل ألمانيا»؟

نشر في 28-09-2017
آخر تحديث 28-09-2017 | 00:08
 الغارديان واجهت بلجيكا عام 1991 (أول) أحد أسود، عندما فازت الكتلة الفلمنكية اليمينية الشعبوية المتطرفة بـ6.8% من التصويت الوطني، ومنذ ذلك الحين مرت دول أوروبية كثيرة بتجربة مماثلة، من الدنمارك إلى سويسرا، واليوم بات لدولة ألمانيا المستقرة أيضاً أحدٌ أسود، وجاء أكثر اسوداداً مما توقع معظم الناس.

هل تعني هذه النتائج الصادمة أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" سيكون القوة الثالثة في السياسات الألمانية في المستقبل؟ ثمة أسباب كثيرة للتشكيك في ذلك. أولاً، أظهرت استطلاعات الرأي أن 60% من ناخبي هذا الحزب صوتوا "ضد كل الأحزاب الأخرى"، وأن 34% فقط صوتوا له عن قناعة. إذاً العلاقة بين حزب "البديل من أجل ألمانيا" وناخبيه ضعيفة، وتمتاز عموماً بمعارضة الأحزاب الأخرى لا بدعم حزب "البديل من أجل ألمانيا" نفسه، وخارج إطار ناخبيه ما زال هذا الحزب مثيراً جداً للجدل، فقد أعرب 12% فقط من الألمانيين كافةً عن "رضاهم على العمل السياسي" لأليس فيدل، التي تشارك ألكسندر غولاند في رئاسة حزب "البديل من أجل ألمانيا"، وتشكّل هذه النسبة الأدنى التي حصل عليها قائد حزب، فقد جاءت أدنى بكثير من الـ44% التي نالتها سارة فاغنكينشت، نائب الأمين العام للحزب اليساري الألماني المتطرف المثيرة للجدل. لا شك أن نتائج الانتخابات الألمانية ستؤجج العودة إلى رواية "نهضة الشعبوية" التي هيمنت على عام 2016 ومطلع عام 2017، إلا أنها تراجعت إلى حد ما بسبب الانتخابات الهولندية والفرنسية خاصة، ولكن على غرار كل الانتخابات، تبقى الانتخابات الألمانية أولاً وأخيراً انتخابات وطنية، ولكن ثمة دروس أشمل يمكننا تعلمها.

أولاً، صحيح أن الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة سجلت نسباً غير مسبوقة في استطلاعات الرأي في عام 2016 مع بلوغ جنون "أزمة اللاجئين" ذروته، إلا أن نتائجها في انتخابات عام 2017 لا تزال قريبة من (أو حتى تفوق) نتائجها التاريخية الأعلى. ينطبق هذا على حزب الحرية الهولندي، والجبهة الوطنية الفرنسية، واليوم حزب "البديل من أجل ألمانيا" الألماني، وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه سينطبق أيضاً على حزب الحرية النمساوي، الذي يُفترض أن ينضم إلى الائتلاف الحاكم عقب الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل.

ثانياً، ازدادت خلال السنوات الماضية أحزاب شعبوية يمينية تطرفاً وتحولت إلى أحزاب يمينية شعبوية متطرفة، مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، وحزب "الفنلنديون الحقيقيون" في فنلندا، وحزب "استقلال المملكة المتحدة" في بريطانيا. ويؤدي هذا دوماً إلى صراعات داخلية وخروج الكوادر الأكثر "اعتدالاً"، الذين يؤسسون غالباً أحزابهم الخاصة الجديدة، في حين يميل الجزء الأكبر من الداعمين إلى البقاء مع الحزب الأكثر تطرفاً، كما حدث مع الجبهة الوطنية في تسعينيات القرن الماضي وحزب الحرية النمساوي في مطلع الألفية الجديدة.

ثالثاً وأخيراً، مع اكتساب الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة الأصوات والمقاعد في عدد متزايد من الدول الأوروبية، بدأت الأحزاب الرئيسة اليمينية واليسارية خصوصاً تخسرها ببطء إنما بشكل متواصل، ولا شك أن هذا سيؤدي إلى تفاقم تفكك الأنظمة، التي كان يهيمن عليها إلى حد ما حزب أو حزبان متوسطا الحجم لا كبيران. وفي بنية مفككة مماثلة قد تحقق الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة نفوذاً كبيراً، مع أنها تميل إلى أن تكون وسيلة عرقلة لا بناء رغم أنها لا تحظى إلا بنحو 10% إلى 15% من الأصوات. يشير معلقون كثر في الوقت الراهن إلى أن السياسات الألمانية عانت "صدمة مزلزلة"، هذا صحيح غير أن نتائج الانتخابات الحالية تكشف الابتعاد عن الأحزاب الرئيسة لا تنامي الدعم لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، ولكي يحظى هذا الحزب بدعم حقيقي فإن عليه أن يبني قوة برلمانية متماسكة ومتناسقة لا تعاني الصراعات الداخلية أو الفضائح الشخصية، وبالاستناد إلى تاريخ ألمانيا، فضلاً عن سابقة أوروبية، هذا غير مرجح البتة.

* كاس مود

* «الغارديان»

back to top