د. أسيري يبحث سياسة الكويت الخارجية (3 -3)

نشر في 28-09-2017
آخر تحديث 28-09-2017 | 00:10
 خليل علي حيدر أين موقع الكويت على سلم "القوة النارية العالمية"؟ وما الوزن العسكري للكويت في المراجع الدولية؟

يضع موقع إلكتروني بهذا الاسم، أي Global Fire Power الكويت في الترتيب 78 من بين 126 دولة على مستوى العالم لعام 2016، بعدد 14601 نقطة، وفق "متغيرات" تشمل ثماني مجموعات، منها القوى البشرية، والأنظمة الأرضية، والقوى الجوية، والقوى البحرية، والموارد كالبترول، والاعتبارات اللوجستية، والمؤشرات المالية، والطبيعة الجغرافية، ووفقا للموقع نفسه، كما يقول د. عبدالرضا أسيري في تحديده للعامل العسكري في سياسة الكويت الخارجية، "فقد جاء الجيش الكويتي في الترتيب الثالث عشر على مستوى الدول العربية". (سياسة الكويت الخارجية، ص39).

ووفقا لتقرير التوازن العسكري، يضيف المؤلف بلغ حجم القوات المسلحة الكويتية في عموم البلاد 15500 عنصر بما في ذلك 2000 من القوات البحرية و2500 من القوات الجوية إلى جانب قوات احتياطية يبلغ قوامها 24 ألف عنصر.

ويعدُّ الباحث العامل العسكري رابع مكونات أو محددات سياسة الكويت الخارجية، ويقارن القوة العسكرية الكويتية بجيوش بقية دول مجلس التعاون، فتأتي الكويت في الترتيب الرابع من ناحية حجم القوات، بعد كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان، وتأتي بعد الكويت كل من قطر والبحرين، بنحو 12 ألف فرد للأولى وأكثر من 8 آلاف للثانية، ويبلغ إجمالي القوات المسلحة السعودية أكثر من 233 ألفا ودولة الإمارات 51 ألف عسكري.

وفيما يتعلق بحجم الإنفاق العسكري الكويتي، فقد بلغ في عام 1990 أكثر من 4.5 مليارات دينار كويتي، "ثم أخذ في الانخفاض بعد تحرير الكويت بشكل كبير، حتى بلغ 680 مليون دينار كويتي في عام 1998، ثم أخذ في التزايد إلى أن بلغ 1725 مليونا في عام 2014".

وهكذا يرى د. أسيري "أن الكويت تتمتع بمستوى معقول من القوة العسكرية، وهو ما سمح لها بالمشاركة بفاعلية في السياسة الخارجية، حيث شاركت القوات الكويتية في غالبية حروب المنطقة العربية، إن لم يكن في جميع حروبها". وقد تأسس الجيش الكويتي عام 1948.

خامس المحددات للسياسة الخارجية الكويتية في تحليل الباحث "العوامل السياسية"، أي مجموعة من المتغيرات التي تتعلق بأداء النظام السياسي، وأهمها البيئة الداخلية ومستوى التطور الديمقراطي في الدولة.

ويتم احتساب المؤشر الأول، أي استقرار البيئة الداخلية، استنادا إلى 12 عاملا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، تجمع بياناتها في عشرات الآلاف من المصادر الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، ويستند المؤشر إلى جوانب منها الضغوط الديموغرافية أو السكانية، واللاجئين، والتظلمات الاجتماعية والتنمية والعجز الاقتصادي وعدم الشرعية الدولية والخدمات العامة وحقوق الإنسان والأجهزة الأمنية والنخب الحزبية والتدخلات الأجنبية والتهديدات الأمنية والتدهور الاقتصادي.

ووفقا لمؤشرات عام 2015 جاءت الكويت في الترتيب 128 من بين 178 دولة شملتها المؤشرات، وقد جاءت الصومال في الترتيب الثاني والسودان في الترتيب الرابع عالميا ضمن الدول ذات المخاطر العالية جدا، واليمن 7 عالميا وسورية 9 ثم العراق 12 عالميا ثم مصر 38، وجاءت دول مجلس التعاون "ضمن الدول المستقرة".

ومما له علاقة مباشرة بالاستقرار السياسي مدى انتشار الإرهاب في الدولة، وقد جاءت الكويت في الترتيب 119 من بين 126 دولة، ويؤكد د. أسيري أن دولة الكويت تمتعت منذ استقلالها "بعلاقات ودية مع الغالبية العظمى من دول العالم، كما أن لها وجودا فاعلا في جميع المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية". ويضيف: "ومقارنة بدول الخليج، تعد الكويت دولة نموذجا في المنطقة دستوريا وقانونيا كما يتوافر لديها مجتمع مدني منفتح ومتحرك، نشط داخليا ودوليا. كما تتمتع الكويت بالريادة الثقافية والإعلامية". (ص47).

سادس المعطيات المؤثرة في سياسة أي دولة على الصعيد الخارجي "العوامل الدولية" وبخاصة بنيان النظام الدولي ذلك، "أن السياسة الخارجية للدول الصغيرة والمتوسطة أكثر قابلية للتأثر بالبنيان الدولي من السياسات الخارجية للدول الكبرى، ذلك أن نقص الموارد أو محدوديتها بالنسبة إلى الدول الصغيرة والمتوسطة يحد من قدرتها على مقاومة الضغوط الآتية إليها من الدول الكبرى والعظمى".

ويبدو ضمن تحليل د. أسيري، أن مصلحة دول العالم الصغيرة تكمن في تعدد الدول الكبرى، واستمرار صراعاتها أو على الأقل اختلاف مصالحها. ويقول: "يكاد يتفق دارسو السياسة الخارجية على أن قدرة الدول الصغيرة والمتوسطة على التحرك السياسي المستقل في النسق الدولي تزداد كلما ازداد الطابع التعددي للبنيان الدولي، وكلما ازدادت درجة الصراع بين الوحدات الكبرى المكونة له، فصراع الأقطاب في ظل بنيان تعدد الأقطاب يؤدي إلى منع كل منهم للآخر من السيطرة على الدول الصغيرة والمتوسطة، كما يزيد من مساحة منطقة المناورة التي تستطيع أن تتحرك فيها تلك الأخيرة".

كيف تعاملت دولة الكويت مع الثنائية القطبية الدولية، وماذا نجم عن انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 بالنسبة إلى سياسة الكويت الخارجية؟ يقارن د. أسيري بين المرحلتين ويقول: "كان بنيان النظام الدولي أحد أهم محددات سياسة الكويت الخارجية سواء في حقبة القطبية الثنائية أو الأحادية، ففي الحقبة الأولى حرصت الكويت على بناء علاقات متوازنة مع القوتين العظميين مع ميل إلى القوة الغربية كضامن نهائي لأمن الكويت.

وقد كان التنافس السوفياتي الأميركي من عوامل استعمال السوفيات حق النقض ضد قبول الكويت عضوا في الأمم المتحدة عام 1961 كما أن الكويت شاركت معنوياً وماليا في عمليات دعم "المجاهدين" الأفغان ضد التدخل السوفياتي في أفغانستان ابتداء من عام 1980، ولكنها أيدت الدعم السوفياتي للعراق في الحرب العراقية- الإيرانية كما أن انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 لم يؤثر بشكل كبير على المصالح الكويتية نتيجة أن هذه المصالح كانت مع القوى الغربية، بل إن الكويت استفادت من القطبية الأحادية في شكل التدخل الغربي لدحر الغزو العراقي مع تحييد للدور السوفياتي الذي كان قد بدأ في التلاشي". (ص48)

كل العوامل الستة التي أشير إليها من سياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها "لا تؤثر على السياسة الخارجية إلا من خلال البيئة النفسية للقائد السياسي"، فما الذي يؤسس لهذه البيئة ويؤثر على راسمي سياسة الكويت الخارجية؟ وكيف يمكن رسم الأولويات في وضع هذه السياسة؟

يلخص د. أسيري النقاط الرئيسة التي تشكل العوامل النفسية والأولويات في سياسة الكويت الخارجية، في عشر نقاط:

"(1) إن محدودية حجم الكويت بالمقارنة بالدول المجاورة يشكل مصدراً مهماً لتهديد أمن الدول، مما يتطلب عملاً مكثفاً لدعم الجبهة الداخلية من خلال تحقيق التوازن الاجتماعي على المستويين الطبقي والطائفي، وبناء أكبر قدر ممكن من المشاركة الشعبية السياسية، (2) إن معظم موارد الكويت هي موارد ناضبة، وهو ما يتطلب عملاً مكثفاً لتنويع الناتج القومي وبناء أرصدة للأجيال القادمة، ومن ثم تأتي أهمية التخطيط للمستقبل، (3) على الكويت أن تختار الأهداف الممكنة التحقيق واقعياً، وليس الأهداف القصوى التي ربما لا يمكن تحقيقها، (4) في تحقيق تلك الأهداف، على الكويت أن تتبع الأسلوب التدريجي، وليس أسلوب الطفرة أو الاندفاع الشامل، (5) في تحقيق أهداف الكويت يجب اختيار الأدوات الأقل جلباً للمخاطر، فالمخاطر السياسية غير المحسوبة في السياسة الخارجية قد تعرض الدول لأخطار جسيمة، (6) الاستراتيجية الأمثل في السياسة الخارجية هي استراتيجية الردع، وليس استراتيجية الهجوم، (7) استبعاد المبادأة باستعمال القوة العسكرية إلا في حالة الدفاع عن النفس (8) بناء تحالفات مع القوى الكبرى الصديقة أداة مهمة لتحقيق الأمن القومي، (9) للكويت دور محدد في العلاقات الدولية وهو دور مساعدة الدول النامية اقتصادياً، (10) المجال الرئيسي لسياسة الكويت الخارجية هو المجالات الخليجية والعربية". (ص 49).

ويلخص د. أسيري رأيه في التحليل النهائي أن ما يحدد سياسية الكويت الخارجية، والعوامل التي أدت دورا محورياً "هي بالترتيب: الموارد الاقتصادية الوطنية، وبنيان النظام الدولي، وطبيعة النظام السياسي، ويبدو واضحا أن الكويت دون النفط سيتقلص حجم سياستها الخارجية".

وربما لا يقصد د. أسيري بالضرورة النضوب المادي للنفط وجفاف الآبار وتوقف الإنتاج، فالتقديرات الرائجة تقول إن انتهاء إنتاج النفط في الكويت، سيقع ربما بعد نحو قرن من الزمان، وهو تقدير نسمعه دائماً ومنذ فترة طويلة، ونتمنى ألا يكون مثل جواب جحا عن حقيقة عمره، ولكن الذي لا يقل خطورة كذلك على اقتصاد الكويت، وبالتالي سياساتها الخارجية وفق تحليل المؤلف، قد يكون تراجع مكانة النفط واستهلاكه في العالم، كما حصل مع الفحم الحجري مثلا.

والآن ينبغي أن نعمل شيئاً استعداداً لذلك اليوم الذي قد يحل قبل نضوب النفط بكثير؟ ثم ما الذي ينبغي أن نفعل بثروتنا المالية "واحتياطي الأجيال القادمة"؟

back to top