جزء مختلف من الذكريات

نشر في 26-09-2017
آخر تحديث 26-09-2017 | 00:09
 يوسف عبدالله العنيزي غالبا ما كانت المقالات السابقة تتحدث عن ذكريات العمل والتنقل بين محطاته المختلفة، ولكن هذا المقال يختلف قليلا عن السابق، فبودي أن نعود مع القارئ العزيز إلى مرحلة من مراحل الشباب الأولى، وبالتحديد فترة دراسة اللغة الإنكليزية في مدرسة "هوف" (Hove school).

وبودي بداية الاعتذار لأخي العزيز سليمان العنيزي لمعرفتي بأنه لا يرغب كثيرا في الحديث عنه، ومع كل احترامي وتقديري لوجهة نظره إلا أنني وجدت أن هذا المقال لا يستقيم إلا بهذه المقدمة، ففي عام 1966 وعندما كان الأخ سليمان يتولى منصب المستشار الثقافي في سفارة دولة الكويت في لندن، قام مشكورا بترتيب انضمامي إلى مدرسة هوف لدراسة اللغة الإنكليزية خلال فترة الصيف، ومدينة هوف ملاصقة لمدينة "برايتون" الشهيرة، التي تتميز بالسواحل الرائعة والهدوء والأمان، وكانت مهوى لأعداد كبيرة من الشباب بمختلف الجنسيات لدراسة اللغة الإنكليزية خلال فترات الصيف.

قضيت مدة إقامتي في مدينة هوف مع عائلة إنكليزية يعمل الأب والأم ناظري مدرسة، في حين كانت الابنة تعمل في إحدى الصحف الإنكليزية الشهيرة، أما الغرفة العلوية فكان يشغلها أحد الطلبة من الجنسية السويسرية، وقد ارتبطت به بعلاقة صداقة حميمة، كان السكن أنيقا ورائعا، ويقع على زاوية الشارع الرئيسي الذي يؤدي إلى المدرسة، حيث يستغرق الوصول إليها مشيا على الأقدام ما يقارب ربع ساعة، كانت العائلة تتميز بالتواضع والمودة، فكنت أشعر بالسعادة عندما أنضم إليهم لتناول العشاء، فأحس وكأني فرد من العائلة، وكم كانوا يشعرون بالسعادة عندما أحضر لهم بعض النشرات الصحافية التي كانت تصدرها السفارة والمكتب الثقافي، وفي المكتب تعرفت على الصديق الراحل الأستاذ يوسف شرورو، حيث كان الحديث يتركز غالباً على ذكريات مدرسة المرقاب الابتدائية عندما كان الأستاذ يوسف أحد أعمدة هيئة التدريس فيها.

كان ناظر مدرسة "هوف" من الأساتذة المخضرمين ممن عاشوا في بعض البلدان العربية، وكان يحتفظ في مكتبه الخاص ببعض الصور مع بعض أفراد الأسر الحاكمة في كل من الأردن والعراق، كما كانت المدرسة تضم أعدادا من الشباب من مختلف الجنسيات الذين ينتمي بعضهم إلى بعض الأسر الحاكمة في كل من ليبيا وإيران، وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، والذي كان نعم الأخ والصديق، وكان لنا صديق مشترك من أقارب المطرب الراحل طلال مداح، رحمه الله، والذي كان يدعونا بين فترة وأخرى لتناول العشاء، وغالبا ما تكون الأكلة السعودية "الكبسة" التي كان يجيدها بشكل رائع، وبعد العشاء يبدأ السمر فيحتضن الصديق العزيز "العود" ليشدو بأغاني ذاك الزمان الرائعة.

من أصدقاء تلك الفترة الأخ والصديق العزيز حامد السيف، وكم أعتز بصداقته نظرا لما يتميز به من دماثة خلق، وما زلنا نتواصل بين فترة وأخرى في بعض المناسبات أو من خلال التواصل الاجتماعي، إضافة إلى بعض الأصدقاء، وقد غاب عن البال بعضهم، كان ملتقانا مع الأصدقاء في قهوة اسمها "موكا كافيه" تقع في شارع صغير يؤدي في نهايته إلى ساحل البحر، يملكها مواطن بريطاني يهودي الديانة كان يعيش في مصر، فكان يتكلم اللغة العربية باللهجة المصرية، وكان مغرماً بالمطرب محمد عبدالوهاب، لذا كانت الأسطوانات بتلك الأغاني تدور طول اليوم، وكانت المدرسة تضم أعدادا من الطلبة الشباب من مختلف الجنسيات في تناغم ومحبة واحترام، وممارسة الألعاب والقيام برحلات إلى بعض المدن المجاورة.

لم نكن نعرف التطرف أو التعصب، ولم نكن نعرف الكثير من المفردات التي تسود عالمنا اليوم كالإرهاب والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة أو الجماعات الإرهابية، ولم نكن نعرف العمليات الجهادية التي غدت تكدر حياتنا، فهل قتل الأطفال عمل جهادي؟ وهل اغتصاب النساء وبيعهن في الأسواق عمل جهادي؟ وهل قتل رواد المساجد الركع السجود عمل جهادي؟ ثم هل دهس المارة في الشوارع والذي أصبح هوساً يعم العالم أعمال جهادية؟

وكم يؤلمنا التساؤل: من أين بدأت هذه الظواهر والمفردات والجماعات؟ وهذه الأفكار من يغذيها ومن يحتضنها ومن يمولها، ومن... ومن...؟ وكم نتمنى والكويت الغالية تشغل مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي أن تطرح فكرة إنشاء هيئة عالمية تحت إشراف الأمم المتحدة لتقوم بعمل ميداني وعميق لدراسة تلك الظواهر السلبية، ووضع الحلول والتركيز على القضاء على الأصول قبل الفروع، ونشر الحقائق دون مجاملات دبلوماسية.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top