6/6 : مذكرات بحار بهجة ودموع

نشر في 22-09-2017
آخر تحديث 22-09-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم في زمن القتامة، وأشكال لا تنتهي من كآبة المنظر وسوء المنقلبات لدينا بالداخل وبالخارج المحيط بنا من كل صوب، أطلق مركز جابر الأحمد الثقافي ليلة التاسع عشر من سبتمبر سحابة البهجة، عبر إحياء واحدة من إبداعات الزمن الجميل، "مذكرات بحار" التي جاءت لنا مثل "الهدايا للصغار" بعد الجدب الثقافي والإبداعي العَبوس، وعمليات اغتيالات الفرح التي انتشرت داخلنا وحولنا من قبل هواة الظلام و"القلدمة"* الذين يصرون على رسمها ليس فقط على محياهم بل ومحيّا ونفوس الآخرين. "مذكرات بحّار" للمبدعين الأصايل "محمد الفايز وغنام الديكان وشادي الخليج" استقرت في ضمائرنا وذاكرتنا ووجداننا، حاملة عبق الماضي ووهج الستينيات والسبعينيات، الذي ألبس تلك المراحل رونقاً مضافاً إلى إبداعات المسرح والرياضة والرسم والأدب، وكل صنوف الثقافة والتميز في بلادنا الوادعة، وتغنينا بها جيلاً بعد جيل.

جاءت ليلة مركز جابر الأحمد لتستحضر موجات الشجن الفني الكويتي الأصيل، وتُفجر الحنين إلى ماض زرع فيه الآباء بذرات بناء هذا الوطن الخلاق، وانتزعوا لقمة عيشهم من أعماق البحر مغموسة بالصبر والعرق، ساعين إلى أن يعيدوا للدنيا "حديث السندباد الذي هو ليس خيال مجنون، بل عملاق تراه يطوي البحار على هواه".

في ليلة تلتها اثنتان لافتتاح الموسم الجديد لدار الأوبرا، تألقت جمهرة من الشباب والشابات الرائعين وهم يعيدوننا إلى مذكرات البحار العنيد ذي اليد التي "تكاد عروقها الزرقاء ترتجل النجوم"، ويرسمون من جديد أمام الحشود المتلهفين وعشاق الفرح الذين افترشوا سحاب دار الأوبرا محلّقين مع إبداعات المخرج اللامع يعرب بورحمة، والنجم الكبير الشامل ذي الصوت الشجي سلمان العماري، ومع عذوبة صوتي الفنانين الشابين آلاء الهندي ومطرف المطرف، وكوكبة من الممثلين تتقدمهم الفنانة القديرة مريم الصالح، وأوركسترا وطنية من خيرة العازفين قادها بتميز المايسترو الدكتور محمد باقر، وشكّلوا بمجملهم نسيجاً رائعاً بمشاركة وإشراف مختصين كويتيين فاعلين وفريق من المختصين أبدعوا في التنظيم وصياغة الإبهار الفني للعمل المسرحي الغنائي الرائع الذي شاهدناه، والمحاكي للأعمال المماثلة في دور العرض العالمية، والذي مزج بين الرؤية العصرية والفلكلور البحري الأصيل، ونقل للناشئة بمشاهد أخاذة حقبة ما قبل النفط وحياة الغوص بمشاقها ودقائقها التي رسمها عام ١٩٦٢ الشاعر الملهم المرحوم محمد الفايز بعبقرية متفردة، وهو الذي لم تترطب حتى قدماه بماء البحر!

بلغ الحفل مداه في اللوحة الأخيرة (القفال) حين تغنى الجمع بعودتهم للكويت، ليشرق أمام الجمهور بقامته الشامخة أيقونة الغناء الفلكلوري الشعبي والإنشاد الوطني الكويتي مطرب الأجيال الأستاذ عبدالعزيز المفرج، ليلهب الحضور بصوته الرائع الشجي الذي لم يأبه بأوجاع المرض الطويل، ولا بأفعال التقدم بالعمر، ليشارك أهل الكويت فرحتهم بتلك الليلة، ويؤكد استمراره شادياً للخليج، فيقف الحضور جميعاً احتراماً له، مصفقين بحرارة لظهوره الرمزي كعملاق للغناء الكويتي الأصيل، وانهمرت دموع محبّيه وعشّاقه وهم يستمعون لصوته العذب الرخيم مردداً

"هانحن عدنا ننشد الهولو على ظهر السفينة

هانحن عدنا ننشد الهولو عدنا للمدينة

هانحن عدنا ياكويت إلى شواطيك الأمينة

وقلادة من شوقنا لك من أمانينا الدفينة"

شكراً للفايز والديكان وللكبير بوعلي المفرج، ولكل من غسل يباس نفوسنا، وأبهجنا، وحتى من أبكانا في تلك الليلة البهيّة.

***

* "القلدمة" تعني التجهّم.

back to top