اقتصاد العالم بين استقرار أوروبا وتقلبات أميركا

نشر في 16-09-2017
آخر تحديث 16-09-2017 | 00:04
في الآونة الأخيرة استعادت أوروبا زخمها الاقتصادي وبدأت تبدو أكثر ثقة بالمستقبل مع نظرها بحذر للغرب، في وقت يفترض عدد كبير من المراقبين أن الخطر الأكبر الذي سيتهدد أوروبا اقتصادياً سيأتي من الولايات المتحدة.
 بلومبرغ • دخلت قارة أوروبا مرحلة التعافي بعد عقد من أزمة حقيقية، وكانت الولايات المتحدة تنظر بشيء من القلق عبر الأطلسي وهي تخشى أن تفضي أزمة منطقة اليورو الى تدمير الاقتصاد العالمي، ولكن الأدوار انعكست بصورة مفاجئة في الآونة الأخيرة فقد استعادت أوروبا زخمها وبدأت تبدو أكثر ثقة في المستقبل، وهي تنظر بشيء من الحذر ازاء الغرب مع افتراض عدد كبير من المراقبين أن الخطر الأكبر الذي سوف يتهدد أوروبا سوف يأتي من الولايات المتحدة.

وقد أصبح الخطر الذي يواجه أوروبا في الأجل القصير واضحاً تماماً في الأسواق المالية بصورة خاصة، وفقد المستثمرون الثقة بقدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الوفاء بوعده المتعلق بخفض الضرائب، وفي غياب سياسة مالية فضفاضة وضعف معدل التضخم سوف يتوخى مجلس الاحتياط الفدرالي الحذر ازاء رفع معدلات الفائدة في وقت لاحق من هذه السنة، كما أن الدولار الذي تحسن بقوة في أعقاب انتخاب ترامب يتعرض الآن الى هبوط حاد ودفع اليورو الى مستوى فوق 1.20 مقابل العملة الأميركية لأول مرة منذ مطلع عام 2015، فضلاً عن أن خطر جعل العملة الواحدة الشركات الأوروبية أقل تنافسية في الخارج قد ألقى بثقله على سوق الأسهم، وربما يفضي الى اعاقة النمو في وقت قريب.

من جهة اخرى، قد يجعل اليورو الأقوى من الصعب على البنك المركزي الأوروبي انهاء برنامجه المتعلق بشراء سندات الحكومة والشركات من أجل دعم التعافي الاقتصادي.

وبحسب فريدريك داغروزت، وهو اقتصادي لدى مجموعة بيكت لادارة الثروات، فإن تحسن اليورو بنسبة 5 في المئة مقابل سلة عملات في الفترة ما بين شهري يونيو وأغسطس الماضيين سوف يرغم البنك المركزي على خفض توقعاته ازاء معدل التضخم في 2018 من 1.3 في المئة الى 1.1 في المئة، وطبعاً سوف يكون للنمو المحلي الأقوى تأثيراته العكسية التي قد تبقي خطط البنك المركزي الأوروبي من دون تغيير، ولكن حتى هذا لن يكون كافياً اذا استمر اليورو في الارتفاع.

ومن الناحية النظرية يتعين ألا يكون أي شيء من هذه التوقعات مشكلة بالنسبة الى بنك مركزي: لأن ذلك سوف يسهم فقط في تمديد التيسير الكمي والاستمرار في شراء الكمية نفسها من السندات وتوفير مزيد من التحفيز من خلال السعي الى بلوغ هدف التضخم. وعلى أي حال، سوف يصل البنك المركزي الأوروبي عما قريب الى حدوده التي فرضها بنفسه حول كمية السندات التي يستطيع شراءها من بعض الدول مثل ألمانيا، وفيما يستطيع صناع السياسة من وجهة نظرية تحديد الظروف التي تساعده على الالتفاف على تلك القيود – مثل شراء مزيد من الديون الايطالية والفرنسية فإن تلك الخطوة سوف تكون صعبة الدعم على صعيد سياسي. ويوجد أيضاً خطر في أن يقرر البنك المركزي الأوروبي تخفيف برنامج التيسير الكمي بصورة دائمة وبالتالي تشديد الظروف والشروط المالية فيما يظل التضخم دون الحد المستهدف المرجو.

الدولار الأضعف ليس الخطر المباشر الوحيد الذي تشكله الولايات المتحدة بالنسبة الى أوروبا، بل الخطر الآخر يتمثل في عدم الاستقرار المالي الواسع النطاق الذي يرتبط – على سبيل المثال – بالتوتر في شبه الجزيرة الكورية أو خطر حدوث معركة حول سقف الديون، ورغم أن أياً من هذه المشاكل ليست خطأ دونالد ترامب وحده فإن ضعف الرئيس الأميركي سوف يلقي بثقله على تفكير المستثمرين، وقد ينتهي الأمر بقارة أوروبا وسط عاصفة أسواق كما كان وضعها الاقتصادي غير مشرق دائماً.

كما يتعين ألا يقلل الناس من قيمة الأخطار الطويلة الأجل، وقد يكون أبرز هذه الأخطار احتمال تحول الولايات المتحدة عن التزامها القديم ازاء التجارة الدولية، ولم يكن من قبيل المصادفة أن ماريو دراغي، من البنك المركزي الأوروبي، اختار في منتدى جاكسون هول في الشهر الماضي أن يدافع عن المؤسسات المتعددة الجنسيات التي تحكم التجارة العالمية. وفي عرض متميز للثقة استخدم دراغي الاتحاد الأوروبي على شكل مثال حول كيفية معالجة الهيئات المتعددة الجنسيات بطريقة ناجحة للفكرة القائلة إن الانفتاح هو سبب عدم المساواة في المجتمعات. وقبل سنوات قليلة فقط كان من الصعب أن نتخيل صانع سياسة يستخدم أوروبا على شكل نموذج اقتصادي ايجابي عندما يلقي خطاباً رئيسيا في الولايات المتحدة.

ومن الطبيعي أن تلوم منطقة اليورو نفسها بسبب تعرضها للتداعيات، كما أن فائض الحساب الجاري لدى عملاق الاتحاد النقدي يجعل أوروبا أكثر عرضة لتداعيات معدل التبادل فيها، وإلى الهزات الصادرة من الخارج.

وعلى الرغم من ذلك فإن منطقة اليورو تبدو بصورة متزايدة مثل منارة للاستقرار في العالم الغني، ولكن لسوء الحظ فإنها لا تسيطر على مصيرها، كما أن أعمال ادارة ترامب سوف تقرر ما اذا كانت الولايات المتحدة سوف تسهم في التعافي الاقتصادي العالمي أو أنها سوف تعمل على تقويضه.

قبل سنوات قليلة كان من الصعب أن نتخيل صانع سياسة يستخدم أوروبا نموذجاً اقتصادياً إيجابياً عندما يلقي خطاباً رئيسياً في الولايات المتحدة

في غياب سياسة مالية فضفاضة وضعف معدل التضخم سيتوخى «الاحتياطي الفدرالي» الحذر إزاء رفع معدلات الفائدة في وقت لاحق من هذه السنة

الولايات المتحدة كانت تنظر بشيء من القلق عبر «الأطلسي» وتخشى أن تفضي أزمة منطقة اليورو إلى تدمير الاقتصاد العالمي

المستثمرون فقدوا الثقة بقدرة ترامب على الوفاء بوعده المتعلق بخفض الضرائب
back to top