بوادر انهيار أم تصحيح مسار؟

نشر في 16-09-2017
آخر تحديث 16-09-2017 | 00:08
 مبارك الجري لكل مواطن خليجي جزء اجتماعي مرتبط بدول مجلس التعاون الخليجي. ومصطلح «خليجي» أصبح مكوناً رئيساً لهوية شعوب الدول الست، إلى درجة أن المجتمعات العربية والغربية الأخرى أحياناً لا تميز بين الشعوب الخليجية ولا تعرف الفرق بين الكويتي والسعودي، على سبيل المثال، والشأن ذاته ينطبق على بقية الشعوب الخليجية.

تكررت في المناهج الدراسية ابتداء من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية مصطلحات عديدة تشير إلى التداخل الثقافي، والاندماج الاجتماعي، والأمن والمصير المشترك، وأصبحت هذه المسائل جزءاً مهماً من تنشئة المواطن الخليجي. ولا أقصد في هذا المقام أننا لا نشبه الشعوب العربية والإسلامية الأخرى، ولكن هناك خصوصية تاريخية وجغرافية وثقافية تفرض علينا هذا النوع من العلاقة الارتباطية الوثيقة.

ويمكن اعتبار ما سبق مدخلاً بسيطاً لفهم طبيعة المجتمع الخليجي، ولكن هناك من يتعمد الإساءة إلى هذه الطبيعة ويسعى بنفس الوقت إلى الغاء ذلك المدخل، واستبداله بمدخل جديد قد يحمل مفهوماً سياسياً وجغرافياً واجتماعياً مختلفاً... وقد يرى البعض في ذلك ضرباً من ضروب المبالغة والخيال، ولكن عنوان الواقع الراهن لا يعكس أي ملمح من ملامح الاستقرار الخليجي.

نحن الآن، كخليجيين، في معركة وصراع حاد بين العقلانية والعاطفة، ويبدو أن العاطفة أقوى حضوراً وتأثيراً على مواقفنا إزاء الأزمة الراهنة، دع عنك ما مارسته من أدوار متناقضة في تاريخ الخليج العربي. والغريب في الأمر أن العاطفة تجمعنا في مواقف وتفرقنا في أخرى، وكأن هناك جهة مسؤولة عن توجيه عواطفنا وتغييب عقولنا، بل أحياناً يجرم القرار والموقف العقلاني.

ما شهدناه في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة من مشادات كلامية واتهامات متبادلة بين مندوب قطر ودول الحصار لا يقارن بحجم المأزق الاجتماعي الذي نعيشه منذ بداية الأزمة الخليجية التي أرهقتنا وجعلت قضيتنا فرصة استثمارية لمقاولي السياسة والإعلام التقليدي والرقمي.

الحقبة الراهنة تطرح عدة تساؤلات: هل تشهد شبه الجزيرة العربية مرحلة ما بعد الخليج العربي؟ وهل تعكس الأزمة الخليجية واقعاً مفروضاً من فاعلين دوليين؟ وهل ما تشهده الأزمة من تعقيدات مقدمات لحقبة تاريخية جديدة؟ وهل يعتبر خيار الحصار من أدوات تصحيح المسار الخليجي؟

الإجابة عن الأسئلة السابقة بحاجة إلى تجميد العاطفة وتفعيل المنطق ودور النخب الثقافية والاجتماعية دون معادلات سياسية غير متوازنة وبعيدة عن أي لغة اجتماعية هابطة يعتقد البعض أنها بطولة وطنية.

أمن الخليج يبدأ في المقام الأول من الداخل وعبر مجتمع لديه مناعة عالية ضد أدوار إعلامية وسياسية هدفها الأول استثمار الخلافات والدفع باتجاه استمرار الأزمة وتعميقها. وقراءة التاريخ بإمعان وحكمة وبمسؤولية خير وسيلة لتجنب مأزق الحاضر.

back to top