الفن الحقيقي

نشر في 15-09-2017
آخر تحديث 15-09-2017 | 00:11
 دانة الراشد يرى الكثير في مجتمعنا أن الفنون- بمختلف أنواعها- مجرد نوع من الرفاهية، أو هواية تشغل وقت الفراغ على أكثر تقدير، يراها الأغلب مجرد نقل وتكرار لتلك الصورة النمطية للجمال، أو عشوائية غامضة يصعب فهمها، بل الأسوأ من ذلك، يتحفظ الكثيرون على الفن (خصوصاً مجالي التمثيل والموسيقى)، وصراحةً هم لا يلامون على ذلك! حيث كثُر الدخلاء على الفن وأصبح عملاً لمن لا عمل له من فشلة ومهرجين، لذا وجب التوقف لإعادة تعريف الفن.

فالفن نهضة، تراه نشطاً في الدول المتقدمة وخاملاً في بلداننا العربية، حيث العامة لا تقرأ، فتصبح مفاهيم الفرد عن الجمال ضيقة ومحدودة بالجمال الاستهلاكي. يتحدى ذلك الفن المشاكس أفكارنا المسبقة، فالفن الحقيقي شجاع ومجازف لا يهاب الهجوم أو القمع.

هو ذاك الذي يحفز فيك الفضول والتفكير، ويمس أعمق نقطة في وجدانك، فيعيد تعريف ثنائية القبح والجمال من جديد، هو محرك المجتمعات ووقودها، فالأفكار الجديدة التي يطرحها قادرة على إيقاظ العقول والبصائر وتغيير مجتمع بأكمله، وربما لهذا تخشاه أنظمة البلدان الراكدة، هو لون الحياة ونبضها الوجودي وسط رتابة أيامها وغياب القيمة والمعنى.

يحتاج الفن إلى الكثير من الحرية كي ينمو ويتنفس، ولذا تراه أصيلاً في تلك الدول التي تحترم حرية الرأي، ويكاد أن يكون معدوماً في الدول ذات السلطات القمعية، حيث تقتصر "فنون" تلك الدول– إن صحت تسميتها بذلك!- على مدح الشخوص وإرضاء السلطات، فلا تضيف لها شيئاً، لكن الفنان الحقيقي هو من يخلق ذلك المتنفس من العدم دون انتظار الدعم من الآخرين، ففنه سيخلده التاريخ لا محالة.

لذا يجب إزالة وصمة العار عن الفن كي ينمو ويرتقي، فغريب هو تشجيع الأنشطة الاستهلاكية و"الفاشنيستات" واعتبارها ظواهر عادية بل مستحبة! في حين يكثر الهجوم والمنع على كتب ألفها كويتيون لكنها تباع في دول شقيقة ذات سياسات أكثر تحفظاً، كذلك غريب هو التحفظ على الأمسيات الموسيقية والمسرحية ورغبة البعض بتقنينها على الرغم من أن الكويت كانت تستضيف كبار الفنانين العرب والعالميين سابقاً، وكان ذلك التقدم الفني والثقافي موازياً للتقدم الحضاري على جميع الصعد في الكويت.

يسعدني كثيراً نشاط الموجة الشبابية الجديدة من فنانين وموسيقيين وكتّاب يقومون بجهود فردية رائعة على الرغم من كل هذا المنع والرفض، مقدمين لنا أعمالا ذات جودة عالمية، وكلنا أمل أن يكون هؤلاء رواد الغد الذين سيعيدون إحياء الحركة الثقافية والارتقاء بالمجتمع نحو المدنية والتطور.

* "لدى الفن عدو اسمه الجهل".

(بن جونسون)

back to top