«الاعتمادية»... حين تنكر ذاتك لأجل الآخرين

نشر في 13-09-2017
آخر تحديث 13-09-2017 | 00:00
No Image Caption
نسمع الكثير في الآونة الأخيرة عن «الاعتمادية»: ميلنا إلى إنكار ما نريده بغية خدمة الآخرين. تطوّر هذا المفهوم من مصطلح «معاونة مدمن الكحول»، الذي يصف أنماط سلوك شريك المدمن السلبية الممكِّنة، إلا أنه لا يأخذ في الاعتبار كيفية تأثر الشريك وإخفاقه في تأكيد حاجاته وحدوده.

إليك بعض الإشارات إلى ميول اعتمادية محتملة:

• هل تخشى دوماً أن يستاء شريكك ويهجرك إن لم تنصَع إلى ما يريده، ما يجعلك تشعر بأنك واقع في مأزق؟

• هل يصعب عليك رسم الحدود (التنبه لوجهات نظر وحاجات تختلف عن الآخرين، والتفاعل معها، والتعبير عنها)؟ هل تطغى حاجات الآخرين بسرعة على حاجاتك؟

• هل تسمح لنفسك بالتوقف قليلاً والتفكير في مشاعرك ورغباتك، بما فيها ما تريده وما ترفضه وما لم تحسم أمرك بشأنه، قبل أن تتفاعل مع الآخرين؟

• هل تلاحظ أنك تشعر بالاستياء والاستنفاد لأنك تتجاوب غالباً مع ما يريده الآخرون منك من دون أن تأخذ حاجاتك في الحسبان؟

• إذا انطبقَت عليك هذه الأسئلة، فقد طورت على الأرجح الميل البشري إلى تفضيل الآخرين على نفسك، واتخذت منه وسيلة للتعاطي مع حاجتك إلى التواصل، والانتماء، وتقدير الذات.

• ولكن لا تسارع إلى تصنيف نفسك كشخص اعتمادي، فالحياة معقدة ولا شك في أن تصنيفاً مرضياً مماثلاً لا يعود عليك بأية فائدة.

الحد الفاصل المبهم

يفصل خط رفيع بين التعبير عن المحبة وبين معاناة الاعتمادية. وإذا أدرجتَ الميول البشرية إلى خدمة الآخرين كافة في فئة الاعتمادية، يصبح جميع المعلمين الروحيين العظماء من مرضى الاعتمادية الذين لا أمل في شفائهم. ربما ينبع الميل إلى التعبير عن اللطف والتفاعل مع الآخر من مكان إنساني وروحاني داخلنا.

إذاً، يجب أن نتحلى بالتمييز كي ننجح في الفصل بين الاعتمادية وبين ميل الإنسان الطبيعي إلى الاهتمام بالآخرين والتعاطف معهم. لا يحتاج البشر إلى مَن يحبهم فحسب، بل أيضاً إلى التعبير هم بدورهم عن حبهم. لذلك نشعر بالرضا والاكتفاء عندما نعتني بالمحيطين بنا. ولا ننكر بالتأكيد أن العالم يحتاج إلى المزيد من التعاطف، والتفهم، واللطف.

يستمد مَن يعانون ميولاً نرجسية بعض الرضا الذاتي من مصطلح «الاعتمادية» لأنهم يعتبرون سلوكهم المتمحور حول ذاتهم بعيداً كل البعد عن هذه المشكلة. يظن هؤلاء أن من المخجل أن يكون الإنسان ضعيفاً، ورقيقاً، ولطيفاً. لذلك يسارعون إلى نعت الآخرين بالاعتمادية، بينما يرون في أنفسهم القوة والاستقلالية. ويدفعهم احتقارهم هذا للرأفة والتعاطف إلى «الاعتمادية المقابلة»، التي تُعتبر نقيض الاعتمادية. فخوفاً من التعلّق، والألفة، والضعف، يعيشون وراء سور محصّن يضمن عزلتهم.

يقوم أحد أوجه المحبة على إدراك حاجات الآخر وتلبيتها إن أمكننا ذلك، معطين من ذاتنا من دون إفراط أو مبالغة. إذاً، علينا الموازنة بفاعلية بين اهتمامنا بحياة الآخر وبين اعتنائنا بنفسنا. وهكذا ننعم بالرضا الذي يولّده التفاعل مع حاجات الآخرين من دون أن ننسى في الوقت عينه حاجاتنا.

عندما ننعت الناس بالاعتمادية عشوائياً، نغفل عن واقع أننا كائنات معقدة تحرّكها دوافع عدة. إذا أهملنا نفسنا لنخدم الآخرين، نسيء إلى ذاتنا. ولكن بتمسكنا المفرط باستقلاليتنا (المغالاة في الخوف واليقظة من الاعتمادية)، نتجنّب أيضاً الاعتماد المتبادل الذي يولّد ألفة وترابطاً صحيين ومفيدين في حياتنا.

* جون أموديو

back to top