Beach Rats إبداع بسيط

نشر في 31-08-2017
آخر تحديث 31-08-2017 | 00:00
No Image Caption
يجذب المخرجون غالباً الانتباه إلى مشروعهم من خلال التأثيرات الخاصة المكلفة، أو القصص المعقدة، أو الأساليب البصرية السريعة. تشكّل هذه الحماسة في صناعة الأفلام عادةً إشارة إلى أن مَن يتولى الدفة يعجز عن إدارة سفينة سينمائية أو أن السفينة تُقاد ببراعة كي تغطي الظلال المظلمة الضخمة وهج نقاط ضعف المشروع الحاد.
لكن إليزا هيتمان لم تلجأ إلى أي من هاتين المقاربتين في فيلمَيها الكبيرين. على غرار It Felt Like Love عام 2013، أظهرت كاتبة ومخرجة فيلم Beach Rats الحالم أنها لا تحتاج إلى التلاعب أو الإلهاء.
يعتمد أسلوب إليزا هيتمان في Beach Rats على إزالة كل ما لا يدعم صدق شخصياتها، من الحوارات غير الضرورية إلى الإضاءة التقليدية. تحمل مقاربتها هذه وحشية وقساوة تستغلهما بإتقان.

تكتفي هيتمان بعرض الوضع الأساسي، تتتبع تطوره الطبيعي، وتحترم المشاهد كفاية لتتفادى تقديم درس مستهلك من دروس الحياة قبيل شارة النهاية. نتيجة لذلك، يقتصر Beach Rats على الأساسي، فتشعر في لحظات عدة أنه أقرب إلى فيلم وثائقي.

وهكذا يحمل هذا العمل من النقاوة ما يشد المشاهد إلى مواصلة المشاهدة.

تدور قصة هيتمان حول فرانكي (هاريس ديكنسون)، مراهق من منطقة بروكلين لا يملك أي طموح يحاول أن يكتشف الأجوبة حول ما يراوده من أسئلة عن تفضيلاته الجنسية. وتزداد مهمته هذه تعقيداً بسبب أمه (كايت هودج)، التي تتأرجح بين التعلّق المفرط والتصرف بلامبالاة حيال أفعال ولدها. فهي إما تعيش في شرنقة هائلة من الإنكار أو أن اهتمامها مجرد واجب مفروض عليها لأن فرانكي لا يواجه أي عواقب عندما يسرق بعضاً من أدوية والده المصاب بالسرطان.

ما يستنفد أيضاً حماسة الحياة من فرانكي مجموعة صغيرة من أصدقائه الذين يبدون أرقى ببضع درجات فقط من الإنسان البدائي. تقتصر نشاطاتهم خلال اليوم على لعب كرة اليد، الاحتفال، وتعاطي المخدرات.

نتيجة لذلك، يروح فرانكي يتصفح مواقع الإنترنت، آملاً التواصل مع بعض الرجال المسنين. حتى عذره لتفادي التعرف إلى شخص في مثل سنه يحمل الكثير من عدم الثقة بالنفس. فيعتبر فرانكي أن {المسنين لا يعرفون على الأرجح الأشخاص ذاتهم الذين أعرفهم}.

تبدأ هيتمان بعرض هذا الجزء من حياة فرانكي ببطء، مضيفةً بسلاسة انجذابه إلى سيمون (مادلين وينشتاين)، وهي فتاة مفعمة بالحياة تتخبط وسط انجذاب سيمون إليها ورفضه لها. ويذكرنا اندفاع وينشتاين من دون تخليها عن براءتها بأداء سوزان سارندون في Atlantic City.

لا تستعجل هيتمان العناصر العائلية والصداقات، بل تعرب عن ميل مبدع إلى ترك المشهد يتطور تدريجياً بدل أن ينفجر، ما يتيح للمشاهد دوماً القدرة على تمييز كل طبقاته. لكن رؤية ذلك تزداد صعوبة بعض الشيء، بما أن هيتمان لا تستعمل سوى الإضاءة الطبيعية، حتى في اللحظات المظلمة.

في أحد المشاهد الأبرز التي يتجلى فيها صبر المخرجة، يسير الأصدقاء الأحماء ببطء في المنتزه قاصدين ملعباً لكرة اليد حيث يرى فرانكي شقيقته الصغيرة وهي تمسك بيد فتى. كجزء من الصورة الأشمل، تشكل هذه لحظة نتجاهلها أو نتأملها على الأقل لما تعكسه من جمال الحب البريء الناشئ. لكن هيتمان توجّه ديكنسون لتأمل تلك اللحظة بنظرة تحمل مزيجاً من الحسد والغضب لأن أخته الصغيرة عثرت على الرابط العاطفي الذي كان فرانكي يبحث عنه من دون جدوى على مستويات عدة.

ولا يُعتبر هذا المشهد الوحيد الذي يؤدي فيه ديكنسون اللحظات بطريقة شفافة صافية لا يبدو معها كمن يمثّل. ويشكّل هذا قمة في الأداء يعجز عن بلوغها أحياناً بعض أبرز الممثلين المخضرمين. ولكن من خلال إرشادات هيتمان، ينتقل ديكنسون من أداء دور فرانكي إلى تقمصه فرانكي.

علاوة على ذلك، يبدو عمل هيتمان منطلقاً إنما مضبوطاً إلى درجة يمر معها الفيلم بلحظات ينحدر فيها إلى خمول ملحوظ تشعر بسببه أن القصة وشخصياتها لا تحقق أي تقدم.

وثمة لحظات أخرى تبرهن فيها هيتمان ألا مكان لكل ما هو تقليدي في مشاريعها. كان باستطاعتها ملء تلك المشاهد بعناصر تتطلب الانتباه، إلا أن مشاهدة فيلم تبدو أشبه بالجلوس في غرفة فندق جدرانه بالغة الرقة. فمهما حاولت، حتى في اللحظات الهادئة، تعجز عن إسكات ما تسمعه من الغرفة المجاورة.

إذاً، لن يستهوي عمل هذه المخرجة مَن لا يقدّرون سوى الأفلام المنجزة وفق القواعد. Beach Rats موجّه إلى مَن لا يترددون في المشاركة في تجربة ولا يستعجلون تطوراتها.

back to top