«الطعام النظيف»... يلحق الضرر بأطفالك؟

نشر في 23-08-2017
آخر تحديث 23-08-2017 | 00:00
No Image Caption
يبدو الطعام النظيف مثالياً للأهل الذين يودون تعليم أولادهم عادات صحية باكراً. ولا عجب في ذلك: بات «الطعام النظيف» اليوم مصطلحاً رائجاً بين الأهل الذين يواجهون رفوفاً كثيرة في المتاجر مليئة بأطعمة مخصصة للأولاد والأطفال، غنية بالسكر، ولا تتمتع بأية قيمة غذائية حقيقية.
صحيح أن بعض خطط الطعام النظيف يقوم على نظام غذائي متوازن مع الحد من المأكولات المعالجة والتركيز على الكامل منها، إلا أن بعضها الآخر متطرف. على سبيل المثال، ينصح عدد من هذه الخطط بالامتناع عن تناول الغلوتين أو مجموعات كاملة من الأغذية كالحبوب أو مشتقات الحليب، فيما تشدّد كلها على أهمية استهلاك «الأطعمة الخارقة» المزعومة لتعزيز صحة الإنسان وخيره.

ثمة أسباب للتشديد على أهمية النظام الغذائي «المتوازن». لا شك في أن الالتزام بأية خطة غذائية متطرفة يؤثر سلباً في صحة الولد على مستويات عدة. فمن الممكن لاستبعاد مجموعة طعام كبرى من نظامك الغذائي، مهما كانت سنك، أن يؤدي إلى استهلاك غير ملائم من السعرات الحرارية، فضلاً عن احتمال إصابتك بسوء تغذية وعوز في عدد من الفيتامينات والأملاح المعدنية.

مجموعات الطعام

يبدو الغلوتين (بروتين في الحبوب مثل القمح، والشيلم، والشعير) أحد أبرز الأهداف في خطط الطعام النظيف. صحيح أن البعض يعاني حالة سريرية تُدعى الداء البطني تشير إلى أن الجسم يعاني رد فعل التهابياً تجاه الغلوتين، إلا أن معظم الناس لا يواجه صعوبة في هضم هذا البروتين.

تعتبر أهم المنظمات الصحية والعذائية العالمية، مثل منظمة الصحة العامة في إنكلترا، وأكاديمية الغذاء والعلوم الغذائية في بريطانيا، ووزارة الزراعة الأميركية، منتجات الحبوب أحد أسس النظام الغذائي الصحي الرئيسة، فضلاً عن أنها عنصر مهم في نظام غذاء البحر الأبيض المتوسط. تحتوي الحبوب على النشويات التي يحتاج إليها جسم الإنسان ليعمل. لذلك، إذا حرمت الأطفال والأولاد الدائمي الحركة من مصدر الوقود الرئيس، الذي تعتمد عليه عضلاتهم ودماغهم، يتأخّر نموهم.

«أطعمة خارقة»؟

إلى جانب المناداة بضرورة مقاطعة الغلوتين، تشير فلسفة «الطعام النظيف» المتطرفة إلى أن النشويات ليست كلها متساوية، مع أن أساسها يتألف من الجزيئات عينها. يعتقد الناس أن السكر المعالج الشر بحد ذاته وسم يتلف الصحة. رغم ذلك، يسعدون باستهلاك مشروب بارد «أخضر» أو «غني بالبروتين» يحتوي على كمية من السكر تضاهي ما نجده في عبوة من المشروبات الغازية من دون أن يشعروا بذرة ذنب.

على العكس، يخالون أنهم يقومون بما هو صائب لأنفسهم ولأولادهم، مانحين أجسامهم دفقاً من المواد المغذية ومضيفين إليها بعض فوائد الخضراوات. على نحو مماثل، يُسوَّق لوصفة كيك تحتوي على شراب الأغاف، أو العسل، أو سكر جوز الهند بدل السكر المعالج على أنها «بديل صحي» أو حلوى «خالية من الذنب».

علاوة على ذلك، يشجّع بعض خطط الطعام النظيف على الامتناع عن استهلاك مشتقات الحليب، مع أنها مصدر الكالسيوم الطبيعي الأكثر فاعلية. يحتوي كوب الحليب أو اللبن أو قطعة الجبن على كمية من الكالسيوم تتراوح بين 300 و400 مليغرام، في حين لا تضمّ كل حصة من أي مصدر غير لبني (باستثناء الأسماك الصغيرة التي تؤكل مع عظمها) أكثر من 100 مليغرام، علماً بأن محتواها من الكالسيوم يكون غالباً أدنى بكثير.

يحتاج الإنسان البالغ عادةً إلى نحو ألف مليغرام من الكالسيوم يومياً. أما الأولاد، فيمرون بمراحل عدة من طفرات النمو إلى أن يصبحوا بالغين، لذلك تكون حاجتهم أكبر. على سبيل المثال، يحتاج المراهق إلى 1300 مليغرام. وإذا لم يُضبط النظام الغذائي الخالي من مشتقات الحليب بدقة وعناية، فقد يؤخر نمو الأولاد وينعكس سلباً على قوة عظامهم في المستقبل.

في المقابل، قد لا يكون الكثير من الأطعمة الخارقة التي يُروَّج لها، مثل الكالي، والشمندر، وبذور الشيا، ملائماً للأولاد الصغار. فيحتوي الكالي والشمندر طبيعياً على مقدار كبير من النترات السام للأطفال، في حين تنتفخ بذور الشيا في المعدة، فلا تترك مكاناً للأطعمة الغنية بالمواد المغذية، وتسبب أيضاً ألاماً في البطن.

أنماط سلوك صحية

بالإضافة إلى التأثيرات الجسدية، يبدّل فرض نظام غذائي نظيف موقف الأولاد من الطعام. من المثبت أن الحظر يشكّل الطريقة الأكثر فاعلية لتوليد الرغبة وتأجيجها. فالأولاد الصغار، الذي لا يعون وجود «الفاكهة المحرمة»، لن يطلبوها. ولكن عند رفع الحظر وتذوق الأولاد الطعام الجديد «اللذيذ»، لن يملكوا بعد ذلك الضوابط اللازمة للحد من رغبتهم الطبيعية فيه.

يجب ألا يقتصر النظام الغذائي الصحي على الترويج لمأكولات تدعم الصحة الجسدية، بل يلزم أن يشمل أيضاً أنماط سلوك تعزِّز إقامة علاقة صحية مع الطعام. تغفل موجة الطعام النظيف هذه عن واقع أن الطعام ليس مجرد غذاء للجسم، بل يشمل أيضاً قروناً من الثقافة. كذلك تتجاهل كيفية تواصل الناس خلال تناول وجبة واستمتاعهم بها.

إذاً، لا ترتبط مساعدة الولد على العيش بسعادة وصحة بـ«النظافة» أو «القذارة»، بل بتعليمه الاستمتاع بطعام مغذٍّ وما يشكّل النظام الغذائي المتوازن.

الالتزام بأية خطة غذائية متطرفة يؤثر سلباً في صحة الولد
back to top