لماذا حالة عدم التصالح مع العالم؟!

نشر في 21-08-2017
آخر تحديث 21-08-2017 | 00:07
 د. عبدالحميد الأنصاري المشاعر لا تولد في فراغ، بل بتأثير مفاهيم وقيم ومقولات ثقافية، ومن ثم، فإن هذه المشاعر يمكن أن تكون إيجابية تدفع شبابنا للتسامح وحب الحياة والبناء والإنتاج، أو سلبية تنتج الكراهية والعداء وتفجير الذات، تبعا لهذه المفاهيم، سلباً أو إيجاباً، ومن هنا كان حرص الدول، عبر مناهجها التربوية على صياغة هذه المفاهيم صياغة إيجابية تحصن الناشئة من أفكار الكراهية والعداء، لكن في عالمنا العربي والإسلامي، وعلى امتداد العقود الأخيرة، تم تحريف وتشويه معظم هذه المفاهيم سواء الوطنية أو الدينية، على يد أحزاب قومية وجماعات دينية وسلطات حاكمة، وذلك لخدمة أهداف أيديولوجية قومية ودينية، مما شحن نفوس الناشئة وعقولهم بأفكار العداء وعدم التسامح والإقصاء، وزرع مشاعر الكراهية، استدامة للتسلط والتضييق على الحريات، وتم الترويج لأفكار التآمر الخارجي، والغزو الفكري، والهجمة الصليبية والاستباحة... إلخ. لاتخاذها مسوغاً لعسكرة المفاهيم الوطنية والدينية، لتنتج لنا في النهاية هذه النفوس التي تفيض كراهية فتفجر الأبرياء عندنا، وتدعسهم بالشاحنات في أوروبا!

ولأجل ضبط هذه المفاهيم وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين، عقد العديد من المؤتمرات، أبرزها المؤتمر العام الدولي الرابع والعشرون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، مارس 2015 بهدف إعادة قراءة المفاهيم قراءة جديدة متصالحة مع الذات ومع العالم، من المهم تعزيز نشرها:

1- التكفير: اتفق العلماء على خطورة التكفير، إذ الشهادة بالكفر على المسلم من أعظم الزُّور والظلم والبهتان، وقد حذّر رسولنا عليه الصلاة والسلام من التكفير أشد التحذير، لدرجة أنه من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، يحمل ما صدر منه من قول على الإيمان، إذا احتمل وجهاً واحداً من تسعة وتسعين قولاً، لكن التنظيمات المتطرفة عسكرت هذا المفهوم لأهداف أيديولوجية وسياسية تستحل بها دم المسلم وماله وعرضه!

2- الحاكمية: معناها أن الله سبحانه هو المشرع، ولكن هذه الحاكمية التشريعية المقررة لله تعالى، لا تنفي أن تكون للأمة حق التشريع في مجالات (أنتم أعلم بشؤونكم) اجتماعية واقتصادية وسياسية في إطار المقاصد الشرعية الكلية وقواعدها العامة، لكن هذا المفهوم الواضح أسيء توظيفه من جماعات التشدد، بهدف تكفير الحكام والأنظمة، بحجة أنهم يحكمون بالقوانين الوضعية لا بما أنزل الله تعالى، متجاهلين أن التشريع الذي يحقق مصالح الناس، هو من شرع الله تعالى ما دام لم يخالف ثابتا شرعياً.

أول من صك هذا المفهوم في العصر الحديث المودودي، وفِي الماضي الخوارج الذين رفضوا التحكيم وخرجوا على الإمام علي، كرم الله تعالى وجهه، رافعين الآية "لا حكم إلا لله" شعارا سياسياً.

3- الخلافة: لم يضع الإسلام نظاماً مفصلاً للحكم، ولم يضع قالباً جامداً له، إنما وضع أسساً ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيداً يقره الإسلام، وما ورد من نصوص فيها يحمل على ضرورة أن يكون هناك نظام له رئيس ومؤسسات حتى لا يعيش الناس في فوضى، فكل حكم يحقق مصالح الناس ويقيم العدل فهو حكم رشيد، وعليه فلا حق لفرد أو جماعة في تنصيب خليفة أو دعوى إقامة دولة خلافة خارج أُطر الديمقراطيات الحديثة.

4- الجزية: اسم لالتزام مالي انتهى موجبه في زماننا هذا، وانتفت علته بانتفاء ما شرعت لأجله، لكون المواطنين قد أصبحوا جميعاً سواء في الحقوق والواجبات، وحلت ضوابط ونظم مالية أخرى محلها.

5- الجهاد: رد العدوان عن الدولة بما يماثله دون تجاوز أو شطط، ولا مجال للاعتداء ولا حق للأفراد في إعلانه، إنما هو حق لرئيس الدولة والجهات المختصة بذلك وفق القانون والدستور.

هناك مفاهيم أخرى تمت عسكرتها لخدمة الأهداف السياسية لأيديولوجية الكراهية، مثل مفهوم (الولاء والبراء) الذي تعلق به رموز صحوية في رفضهم جواز الاستعانة بقوات التحالف لتحرير الكويت، ومثل فتاوى وجوب إضمار كراهية الغرب عند السفر إليهم أو التعامل معهم، ومثل ترديد مقولة من تعلم لغة قوم أمن شرهم أو مكرهم!

ختاماً: هذه المفاهيم المشوهة جعلت المسلم في توتر نفسي مستمر، لا يستطيع التصالح لا مع ذاته ولا مع العالم، ومن هنا ضرورة إعادة قراءة المفاهيم والمقولات الموروثة، للتخلص من حالة التوتر المزمنة.

* كاتب قطري

back to top