كيف يمكن تحسين أداء أدمغة الجنود في رصد التهديدات؟

نشر في 21-08-2017
آخر تحديث 21-08-2017 | 00:05
لا تُعتبر قوة 2 ميلي فولت كبيرة، لكنها كافية للتأكد من أن الشخص رأى غرضاً قبل أن يدرك أنه شاهده. يتعلق هذا القياس بموجة P300، أي الإشارة الكهربائية السريعة التي ينتجها الدماغ البشري حين يتعرّف إلى هدف كان يبحث عنه. يمكن رصد هذه الإِشارة من خلال احتكاك أقطاب كهربائية بفروة رأس الشخص قبل أن يعي الأخير أنه تعرّف إلى الجسم الذي يراه.
كانت هذه الملاحظة بالغة الأهمية بالنسبة إلى «داربا»، «وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة للدفاع» التي تُعتبر جزءاً من المؤسسات الأميركية التي تجري أبحاثاً عسكرية.
خصصت وكالة «داربا» برنامج «التكنولوجيا العصبية للمحللين الاستخباريين» من أجل استكشاف هذا المجال بحثاً عن أشياء مثل قاذفات الصواريخ والقنابل في الطائرات بلا طيار وصور الأقمار الاصطناعية. لتحقيق هذه الغاية، عمدت الوكالة إلى دفع المال إلى مجموعات من الباحثين لإيجاد طرائق تسمح باستعمال موجة P300 لتعزيز الوعي البشري في عمليات تفتيش مماثلة.

كانت مجموعة روبرت سميث في شركة «هانويل للفضاء الجوي» في «فينيكس»، أريزونا، ومجموعة بول ساجدا في شركة «نوروماترز» في نيويورك أحد أهم المستفيدين من ذلك المشروع. يحتاج نظاما فرز الصور اللذان صمّمتهما المجموعتان إلى وجود البشر فيهما لاعتمار خوذات خاصة تُغلّف الجمجمة كلها.

كل خوذة مزوّدة بـ32 قطباً كهربائياً لتسجيل التفاعلات الكهربائية تجاه أية حوافز يتعرّض لها الدماغ. يشاهد مستخدمو الخوذة صوراً وامضة أمام عيونهم خلال عِشر ثانية. إنه معدّل سريع جداً بالنسبة إلى الإدراك الواعي لأن انتباه الدماغ سينتقل إلى الصورة اللاحقة قبل أن ينشط الوعي. لكنه ليس سريعاً جداً بالنسبة إلى مراحل الإدراك الأولى التي تترافق مع إشارة P300 وتنشأ عند ظهور أجسام مشبوهة. بعد ذلك، تُوسم الصور التي تطلق إشارة مماثلة كي تخضع للمراجعة. بحسب د. ساجدا، تؤدي هذه العملية إلى زيادة سرعة رصد الأغراض المهمة بثلاثة أضعاف.

أهمية الدقة

تحتل السرعة أهمية بارزة طبعاً، لكن تبقى الدقة أكثر أهمية في عمليات مماثلة، ويظن البعض أن بإمكانه تحسين مستواها من خلال تحفيز الدماغ بدل قراءته. أثبتت دراسات عدة أن صعق الدماغ بتيار كهربائي خفيف، أو ما يسمى «التحفيز العصبي عبر الجمجمة»، يقوي مفهوم «الذكاء المرن» الذي يشير إلى قوة المنطق التي تتعارض مع الاكتفاء بتذكّر الوقائع. تأمل مؤسسة أميركية أخرى تُعنى بالأبحاث العسكرية واسمها «إياربا» («نشاط المشاريع البحثية الاستخبارية المتقدمة») أن تستغل هذه الظاهرة لتحسين عملية تحديد الأهداف.

فكرة صعق الدماغ بالكهرباء مرعبة بالنسبة إلى البعض. لكن حين تقتصر قوة التيار الكهربائي على 2 ميلي أمبير، سيبقى التحفيز آمناً وغير مؤلم، بحسب فنسنت كلارك، عالِم أعصاب في جامعة «نيومكسيكو». في مشروع من تمويل مؤسسة «إياربا»، عمد كلارك مع فريقه إلى تحفيز أدمغة أكثر من ألف متطوع باستعمال بطارية بلغت قوتها 9 فولتات وكانت متّصلة بأقطاب كهربائية موضوعة على فروة الرأس. بعد نصف ساعة من التحفيز، تمكّن المتطوعون من رصد القنّاصة والقنابل الموقوتة في الصور التجريبية أكثر من المتطوعين الذين صُعقوا بتيار «مزيّف» بقوة 100 ميكرو أمبير بنسبة 13% علماً بأن هذا التيار الأخير يشبه الوخز الجلدي الذي يسببه التيار التجريبي.

من خلال وضع أقطاب كهربائية على ذراع المتطوع، ستزيد قوة تلك الظاهرة بدرجة إضافية بحسب أندي ماكينلي، رئيس قسم تحفيز الدماغ في «مديرية الفاعلية البشرية» التابعة لسلاج الجو الأميركي في قاعدة «رايت باترسون» الجوية في أوهايو. بهذه الطريقة، ستمرّ حركة التيار من قطب كهربائي إلى آخر بنسيج دماغي يفوق ما يحصل في العادة. بعد ست ساعات على القيام بتحفيز مماثل طوال 25 دقيقة، رصد الأشخاص الذين خضعوا لهذه العملية عدداً مضاعفاً من الدبابات وقاذفات الصواريخ وأهدافاً أخرى في الصور المعروضة أمامهم مقارنةً بالمجموعات المرجعية.

لا آثار عكسية

يبدو أن المتطوعين في هذا النوع من التجارب لا يواجهون آثاراً عكسية. يقول كلارك إن التحفيز الذي يستعمله يجعل البعض يشعر بالنعاس لكن يدخل معظم المشاركين في «حالة عميقة جداً من الوعي». لكن يذكر د. ماكينلي معلومات معاكسة، إذ يقول إن المتطوعين في تجربته حافظوا على يقظتهم ومرحهم فترة أطول عند حرمانهم من النوم: «شعر البعض بأنه شرب للتو كمية كبيرة من الكافيين».

لكنّ الاكتفاء بالجلوس في كرسي مريح والنظر إلى شاشة حاسوب، رغم وضع جهاز يوحي بأنه من ابتكار مصفف شعر غاضب، يختلف عن خوض تجربة مماثلة خلال الدوريات أو عند الوجود في حفرة ضيّقة. وتظهر هذه المواقف أيضاً ضمن الاستعارات التي تستعملها وكالة «داربا» على شاشاتها. يُعتبر «نظام التحذير من التهديدات التقنية المعرفية»، أو ما يُعرَف في بعض الأوساط باسم «منظار لوك» (في إشارة إلى لوك سكايواكر، شخصية من أفلام Star Wars (حرب النجوم))، محاولة لتطبيق مبدأ تحسين القدرة على رصد الأهداف ميدانياً.

تطوّر «منظار لوك» كجزءٍ من مشروع مشترك بين شركتَي «بوينغ» و»جنرال موتورز»، وشمل تقنية فرز الصور بزاوية 360 درجة. يجب أن يضع المشاركون مجدداً خوذات مزوّدة بأقطاب كهربائية على الجمجمة. لكن لا يُستعمَل منظار حقيقي في هذه التجربة بل ينظر مستخدم الخوذة إلى شاشة تظهر عليها كل عِشر ثانية صور من ست كاميرات تفصل بينها 60 درجة وتدور حول موقع المستخدم. إذا أنتجت إحدى الصور إشارة P300 في دماغه، سينذره النظام ويجعله ينظر إلى الصورة المستهدفة بالشكل المناسب. خلال الاختبارات، رصد مستخدمو «منظار لوك» نحو ضعف التهديدات التي لاحظها الأشخاص الذين راحوا يراقبون محيطهم بنظارات ميدانية تقليدية.

تجنب الأخطاء

تساهم قراءة الإشارات الدماغية أيضاً في تجنب الأخطاء واعتبار القوات الحليفة أهدافاً مشروعة، ما يعني تراجع حوادث الموت «بنيران صديقة». بالتعاون مع وزارتَي الدفاع الأسترالية والبريطانية، يعمل «مختبر أبحاث الجيش» في «ماريلاند» على تحليل الموجات الدماغية «ألفا» و»بيتا» و»دلتا» و»غاما». على عكس موجة P300، تنشط هذه الموجات بشكل متواصل لكن تتفاوت قوتها وتردداتها، بحسب وضع الدماغ.

بعدما يقرر الجندي أنه شاهد عدواً فيما يضع إصبعه على الزناد، سيحتاج إلى 400 أو 450 ميلي ثانية للضغط عليه. لكن ماذا لو غيّر رأيه خلال هذه الفترة؟ يقول جان فيتيل، عاِلم أعصاب يعمل على المشروع نفسه، إن بيانات الموجة الدماغية تثبت أنه أدرك الخطأ الذي ارتكبه خلال 200 ميلي ثانية فقط. يُفترض أن تكون هذه المدة كافية للامتناع عن الهجوم من خلال تعطيل آلية إطلاق النار أوتوماتيكياً. من ثم، يمكن إنقاذ حياة الزميل المستهدف بهذه الطريقة. يبدو هذا الابتكار المرتبط بالموجات الدماغية لامعاً بكل وضوح!

دراسات أثبتت أن صعق الدماغ بتيار كهربائي خفيف يقوي مفهوم «الذكاء المرن»
back to top