نهاية الأفكار القديمة حول التجارة الخارجية

نشر في 19-08-2017
آخر تحديث 19-08-2017 | 00:00
يرى الاقتصاديان ريكاردو هوسمان وسيزار هيدالغو أنه كلما كانت المنتجات التي تصنعها الدولة أكثر اختلافاً وتنوعاً كان وضعها أحسن بالنسبة إلى النمو، وهي فكرة تتعارض مع النظرة التقليدية حول تخصص الدول المختلفة في عدد قليل فقط من السلع والخدمات.
 بلومبرغ • أظهرت بحوث جديدة أن الدول لا تقوم بالضرورة بعمل جيد عندما تتخصص في صنع بضعة أشياء فقط. ومعظم النماذج الأكاديمية من التجارة الدولية تتسم بالبساطة كما أن بعض هذه النماذج فعال بطريقة مفاجئة ومذهلة في طرح أنواع معينة من التنبؤات، وعلى سبيل المثال فإن خبراء الاقتصاد يبرعون في توقع كم من الدول سوف تقوم بعمليات تجارية متبادلة، ولكن هؤلاء الخبراء لا يبرعون في التنبؤ حول نوع الأشياء التي تتخصص فيها تلك الدول، وأي دولة سوف تعاني عجزاً أو فائضاً في التجارة، وكيفية تأثير التجارة على النمو أو ما هي الشركات والعمال الذين سوف يستفيدون من التجارة.

وقد يتمثل الأمر في أن الوصول الى أجوبة على تلك الأسئلة سوف يعني أن على الاقتصاديين التخلي عن نماذجهم البسيطة والتفكير بتعقيدات التجارة الدولية، وكانت النظريات الاقتصادية أدركت منذ زمن بعيد أن الربط بين المنتجات المختلفة داخل وبين الدول قد ينطوي على أهمية بالغة بالنسبة الى رخاء وازدهار تلك الدول، ولكن حتى وقت قريب لم تسمح المعلومات والطرق الاحصائية برسم خارطة مفصلة لتركيبة التخصص الاقتصادي حول العالم. ويعمل عدد من الاقتصاديين في الوقت الراهن على أساليب ومقاربات تجريبية جديدة تأخذ في الحسبان التنوع الهائل والاتصالات المعقدة التي تربط بين المنتجات والخدمات التي يتم نقلها عبر الحدود الدولية.

اثنان من هؤلاء الاقتصاديين هما ريكاردو هوسمان من كلية كيندي في جامعة هارفارد وسيزار هيدالغو من معهد ماساشوستس للتقنية، لديهما مع فريق البحث العامل معهما، نظرية تقول إنه كلما كانت المنتجات التي تصنعها الدولة أكثر اختلافاً وتنوعاً كان وضعها أحسن بالنسبة الى النمو. وتتعارض هذه الفكرة مع النظرة التقليدية – ومع توقعات العديد من النماذج القياسية – حول تخصص الدول المختلفة في عدد قليل فقط من السلع والخدمات.

وبحسب هوسمان وهيدالغو، فإن الدول تكون في حال أفضل عندما تنتج شرائح متنوعة من البضائع والخدمات. كما أن دولة مثل المملكة العربية السعودية التي تعتمد على منتج واحد سوف يكون أداؤها أضعف من أداء دولة مثل اليابان التي تستطيع انتاج ما تريد من السلع.

رأي خبراء الاقتصاد

يقول خبراء الاقتصاد إن ما يطلقون عليه اسم مؤشر التعقيدات الاقتصادية هو أفضل بقدر كبير في التنبؤ حول النمو الاقتصادي في الأجل الطويل من طرق التنبؤ الأخرى التي تعتمد على أشياء مثل مستوى التنظيم أو كمية المبالغ التي تستثمر في التعليم، وقد نشروا في الآونة الأخيرة تقريراً يتوقع أن يتباطأ نمو الصين في العقد المقبل فيما يستمر نمو الهند بوتيرة سريعة.

ومن الواضح أن أكثر من تعقيد اقتصادي يبرز هنا وينطوي على أهمية، وينسحب هذا على الزيادة في عددالسكان كما هو الحال بالنسبة الى مستوى الدخل المبدئي (الدول الأغنى لديها مساحة أقل للنمو) ولكن اذا كان هوسمان وهيدالغو على حق فإن على المستثمرين أن يتطلعوا الى الهند واندونيسيا وفيتنام.

مقاربة مختلفة

مجموعة اخرى من الباحثين من البنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية وأماكن اخرى كانت لها مقاربة مختلفة وقد وضعت سلسلة قيم عالمية تتمحور حول التجارة، حيث يتم تحويل المواد الأولية الى مكونات ثم الى منتجات جاهزة وتنقل بعدها الى محلات التجزئة.

وقد حددت هذه المجموعة أشياء مثل ميل الدول في منتصف وضع سلسلة الانتاج نحو نيل حصة أصغر من القيمة النهائية للمنتجات. والدول والشركات التي تصنع المكونات المعقدة في الهواتف والحواسيب تحقق نسبة أعلى من الأرباح كما هو الحال بالنسبة الى من يعمل في البحث والتصميم والتسويق والتجزئة، ولكن الدول التي تقع في الوسط والتي تجمع المكونات وتحولها الى منتجات جاهزة ثم تشحنها تميل الى نيل شريحة أصغر من الكعكة، وتبين لهذه المجموعة أن الصين وعلى الرغم من هيمنتها الواسعة على صناعة التصنيع كانت في الموقع غير الملائم من المسار. وبكلمات اخرى، فقد علقت الصين في موقع يتسم بتجميع منتجات متدنية القيمة بدلاً من الميادين الأكثر ربحية في تصنيع المكونات والبحوث والتصميم والتسويق والمبيعات.

وتلك في الواقع أنباء جيدة بالنسبة الى التوظيف في الصين، نظراً لأن الصين تميل الى انتاج أشياء تتطلب الكثير من الأيدي العاملة. ولكن ذلك ليس جيداً بالنسبة الى أرباح الشركات الصينية، وهو ما يفسر رغبة الصين في البدء بإنتاج ماركات عالمية، وما لم تتوجه الصين نحو أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى قد يتعرض نمو اقتصادها القوي الى تباطؤ وهو ما يتوقعه أيضاً هوسمان وهيدالغو على أي حال.

ويشكل تطور هذه النماذج الجديدة أنباء جيدة لمهنة الاقتصاد، وهو يعني أن الاقتصاديين سوف يقومون بتنويع أساليبهم ودعم نماذجهم البسيطة القديمة بنوعية جديدة تستهدف تقدم اقتصاد العالم الحقيقي، ومن شأن ذلك أيضاً المساعدة على تفادي البعض من الانتقادات التي وجهت ضد هذا الميدان بسبب سوء تقديره للضرر الذي نجم عن المبالغة في تسويق سياسات مثل عدم التنظيم والتجارة الحرة مع الصين. كما أن ذلك قد يساعد صناع السياسة على طرح استراتيجية أفضل نحو التجارة والتنمية، وإذا كان هوسمان وهيدالغو على حق سوف يتعين على الدول التركيز على خلق اقتصاد متنوع بدرجة كبيرة والابتعاد عن الخيارات الاخرى.

الصين تميل إلى إنتاج أشياء تتطلب أيدي عاملة كثيرة لكن ذلك ليس جيداً لأرباح شركاتها وهو ما يفسر رغبة بكين في بدء إنتاج ماركات عالمية
back to top