تحدي العودة خمسين قرناً إلى الوراء

نشر في 19-08-2017
آخر تحديث 19-08-2017 | 00:14
 عبداللطيف المناوي عندما خرج علينا دكتور وسيم السيسي أستاذ علم المصريات بتعليق في أحد البرامج التلفزيونية منذ أسابيع قائلاً: إن الأسرة الفرعونية الـ18 بدأت برجل عظيم هو الملك أحمس، مشيرا إلى أنه يرجع له الفضل في تحرير مصر من الهكسوس، لافتاً إلى أن العلوم جميعها وبالأخص الطب نشأت في مصر منذ 50 قرناً، مبيناً أن هناك مقولة للفيلسوف أفلاطون يقول فيها: "ما من علم لدينا إلا وقد أخذناه من مصر"، استوقفني كثيراً هذا التعليق، قد أكون سمعت مثله من قبل مرات عدة، وقد يكون انتابني نفس الإحساس بالحزن والحسرة نفس عدد مرات استماعي أو قراءتي لمثل هذه الحقائق التاريخية، هذا الإحساس ينتابني عندما أطالع واقعنا بعد خمسين قرناً.

مرة أخرى أشعل في نفسي ألم الواقع ما أشار إليه التعليق الذي قرأته للأخ العزيز الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عندما علق على المؤشرات الأولية لنتائج الثانوية العامة (الاختبار الرئيسي المؤهل للالتحاق في الجامعات المصرية) لافتا إلى أن أقل الدرجات التي حصل عليها الطلبة هي تحديدا في مواد اللغة الإنكليزية، والفيزياء، والتفاضل والتكامل، والجبر والهندسة، وأضاف السيد، في تدوينة له عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن هذه المقررات تحديدا هي الأساس في مواكبة التحولات العلمية الهائلة، والتواصل مع العالم، مشيراً إلى أنها دليل آخر على أن مخرجات التعليم في مصر تباعد بيننا وبين تحقيق أية نهضة ذات قيمة في عصر العلم وانفجار المعرفة. وأضاف أستاذ العلوم السياسية أنه لا يلوم أحد الهند، والصين، فكثير من دول العالم تتسابق على كسب ود إسرائيل، مشيراً إلى كلمة الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، بأن الصراع بين العرب وإسرائيل هو في أحد جوانبه صراع حضاري.

ظهرت في مصر منذ أسابيع نتيجة الثانوية العامة، "مبروك" لكل الناجحين، ولكن في نفس الوقت لا عزاء للمجتمع المصري الذي مازال يسير وبإصرار عجيب في دروب التراجع والتأخر العلمي، لم يعد غريبا، بل لم يعد يؤثر فينا، ما نتابعه ‏من تراجع لرغبات الانضمام إلى الكليات العملية، أو انخفاض مستوى طلاب هذه الكليات، بل المستوى العلمي لهذه الكليات، لم يعد غريباً أن نسمع عن تراجع الجامعات المصرية في مؤشرات الجامعات العالمية وتخلف البحث العلمي مقارنة بالعالم المتقدم أو الدول الراغبة في التقدم.

لن ينفعنا كثيراً أو طويلاً أي مشروع عملاق، لكن إذا أردنا أن يكون لدينا مشروع قومي بحق فأظن أنه التعليم، ليس لدينا فرصة حقيقية دون اهتمام حقيقي بإحداث ثورة حقيقية في التعليم.

عندما شغل دكتور طارق شوقي منصب وزير التربية والتعليم الجديد لقي اختياره صدى إيجابيا كبيرا لدى العديد ممن عرفوه عن قرب أو تابعوه، وممن يعرفون في نفس الوقت حقيقة وحدود المشكلة التي تعيشها مصر في التعليم، ليست لي علاقة قريبة بالدكتور شوقي لكن ما سمعته عنه وما تابعته حتى الآن يعطي انطباعا مشجعاً، لكن نجاحه لن يتم ما لم يتمكن من الوقوف أمام المقاومة الهائلة التي سيلقاها داخل وزارته نفسها وفِي مجاهل الدولة، والمقاومة الأعظم ستكون من المجتمع ذاته الذي قرر أفراده أن همهم الرئيسي أن يحصل أبناؤهم على "الشهادة الكبيرة" وليس مهماً إن كان يستطيع حتى أن يقرأ ويكتب أم لا.

"مبروك" للناجحين في الثانوية العامة في مصر، وألهم الله الدولة المصرية ورجالها القدرة على فهم مخاطر تراجع مصر في التعليم ليدعموا ثورة تعليمية حقيقية على المدى الطويل، البديل عنها أن نستمر في غناء "الناجح يرفع إيده" ونستمر في الغرق في مجاهل الأمم المتخلفة.

back to top