الروس والأميركيون وصواريخ جونغ أون!

نشر في 18-08-2017
آخر تحديث 18-08-2017 | 00:24
 صالح القلاب ليس جديداً القول إن هدف الرئيس فلاديمير بوتين، هو كَسر ما يعتبر نظاماً عالمياً أحادي القطبية، تهيمن عليه الولايات المتحدة، وحقيقة ان هذا الاستنتاج صحيح كل الصحة، فانهيار الاتحاد السوفياتي أحدث خللاً كبيراً في المعادلة السابقة، حيث كان هناك معسكر شرقي – اشتراكي بقيادة موسكو يضم أوروبا الشرقية كلها، ومعسكر غربي – رأسمالي بقيادة واشنطن يضم كل الدول الأوروبية الغربية، وهذا جعل هناك توازنا بين كتلتين كونيتين وحال دون اندلاع حرب عالمية جديدة، مع أن الصدام غير المباشر بين هاتين الكتلتين مستمر كالحرب الكورية والحرب الفيتنامية، والعديد من الحروب الإفريقية، وحروب أميركا اللاتينية.

ولعل ما بات مؤكداً أن فلاديمير بوتين قد "كسر" هذه الأحادية، واقترب في عهد إدارة باراك أوباما من هيمنة الولايات المتحدة على هذه الأحادية، فأميركا في عهد هذه الإدارة اعتبرت أن الشرق الأوسط لم يعد منطقة مصالح حيوية أميركية، والأخطر أنها بعد انفجار الأزمة السورية، وبعد اختراع "بعبع داعش"، اتجهت نحو إيران، وأبرمت معها الاتفاقية النووية الشهيرة، ما أدى إلى إطلاق أيدي الإيرانيين أولاً في العراق، وثانياً في سورية، وعندما عاد الجمهوريون إلى الحكم وجدوا في هذا البلد، أي سورية، سيطرة روسية وإيرانية تجاوزت حتى حدود مجرد الاحتلال، وجعلت دونالد ترامب يبدو كمن التحق بالسباق متأخراً جداً، وبحاجة إلى فترة طويلة وجهد مضن كي يصبح في وضعية كتف إلى كتف.

والمهم أن الروس، الذين أثبتوا في عهد فلاديمير بوتين أنهم لاعب رئيسي يجب أن يُحسب له ألف حساب اتبعوا في عهد هذا الرئيس الجديد دونالد ترامب تلك الحكمة التي تقول: إن عليك ألا تدع خصمك ينهض مجدداً إن أوقعته أرضاً، لأنه إن نهض فسيوقعك أرضاً، وهذا هو ما حصل بالفعل، إذ ما كاد الأميركيون يمسكون ببعض أوراق الشرق الأوسط المتفجر، وخاصة الورقة السورية وورقة التنظيم الإرهابي "داعش"، حتى وضعت موسكو في وجوههم كوريا الشمالية المنفلتة من كل عقال، ودفعت كيم جونغ أون ليتخذ وضعية الطفل المشاغب الذي يحمل في يده قنبلة يدوية جاهزة للانفجار.

وهكذا، ما كاد الأميركيون يسيطرون على هذه اللعبة الإرهابية، التي اسمها "داعش"، وما كادوا يبدأون هجومهم المضاد على إيران، التي باتت تسابق الزمن لامتلاك القنبلة النووية، حتى وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أثبت أنه لاعب دولي "لا يقعقع له شنان"، أمامهم جونغ أون، هذا الذي لا يمكن الركون إلى أنه لن يلجأ إلى ما يهدد به، وهو إطلاق صواريخه "البالستية" على جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادي.

لا شك في أن بوادر تهدئة قد طرأت في اليومين الأخيرين على الأزمة الأميركية – الكورية، لكن هذا يجب عدم الاطمئنان إليه، أولاً: لأن هذه التهدئة قد تكون من أجل إعطاء فرصة للمساومات الأميركية – الروسية التي تجري وراء ستار، وإنهاء هذا الإشكال بالطرق السلمية، وثانياً: لأن كيم جونغ أون شاب مغامر وطائش، وقد تدفعه لحظة "هيستيريا" جنونية إلى استخدام صواريخه "البالستية" ليس على جزيرة غوام البعيدة في المحيط الهادي، وإنما على أي هدف أميركي في كوريا الجنوبية.

back to top