استودعتني حزناً وأودعتني للفرح

نشر في 10-08-2017
آخر تحديث 10-08-2017 | 00:00
 مسفر الدوسري استودعتني حزناً وأودعتني للفرح!

حزنك مختلف لا يشبه حزن الراحلين!

يشبهك حزنك في البراءة، فرغم وجعه، لا أملك إلا أن أزيّن مكان ألمه بالورد، فحزنك بهيّ، يحمل من طيبة قلبك الكثير، لم تكن لديه مشاعر الحاقد المنتقم. كان حزنك بلا أنياب، وبلا مخالب، تترك في القلب قبراً مفتوحاً لجرح يحتضر مع الزمن، لكنه لا يموت.

كل حزن يُذهب البصر والبصيرة، فلا تعود العين ترى سوى ذلك الجرح المفتوح في وسط القلب، ولا تعود البصائر تتشح بغير السواد ومحاولة معاقبة الحياة بالعزوف عنها وتجاهل كل ما تمنحه من فرح، إلا حزنك... أجلسني في حضنه منذ اللحظات الأولى لرحيلك، هشّ بمنديله الحريري الأسود، سرب سحابا عن عيني، لترى هؤلاء الأشخاص الذين تسابقوا حاملين بين أيديهم قلوبهم ليملؤوها بما استطاعوا بشيء من حزنك، حتى كاد حزني عليك أن ينفد، قبل أن أحصل على نصيبي منه، ما اضطرني للاحتفاظ بجزء منه لنفسي، بعيداً عن متناول تلك القلوب المحبة التي رأيتها بفضل حزنك، ذلك الحزن الذي جعلني أرى بأمّ عيني منذ اليوم الأول لرحيلك تلك الوجوه التي التفت سريعاً حول قلبي ترقب أعمدته بحرص محب، لتهب لإسناد كل عمود يشارف على الانهيار، تلك الوجوه التي تلقفت بعض ثمر حزنك المرّ، وأسكنته قلوبها نيابة عني. الحزن على فقدك فتح بصري وبصيرتي على ما لديّ من نعمة أصدقاء، لا تعوزهم الحيلة على سرقة حزني مني واختطافه من قلبي قبل جفاف مداده في صفحة الروح.

كان حزنك معلّما عظيماً، علّمني من خلال الموت أهم دروس الحياة، وهو أنك حين تفقد شيئاً غالياً عليك أن تنظر حينها إلى ما بقي لديك، لتعرف كم أنت محظوظ رغم الفقد، وأن كل ما نفقده إلى الأبد لم يكن سوى هِبة من هبات أخرى لا تحصى تستحق الشكر.

كنت بحاجة ماسّة لذلك الدرس في تلك اللحظة تحديداً، حتى لا ينفطر القلب، أو يكمل انشطاره، كان أصدقائي وأصدقاؤك يدعون لي بحسن العزاء، فيما هم لا يعلمون أني وأنا أرى ستائر الحزن تغطي ملامحهم أرى أنهم العزاء الحسن حينها، بما ملكت قلوبهم من حب، وأنهم عوض قلبي فيك من الله، الذي قدّر حجم الألم، ومنحني الدواء الشافي له، وقدّر عمق الجرح، ومنحني الضماد الكافي له، المتجسّد في تلك القلوب الرحيمة والمحبة.

شكراً لحزنك يا ولدي، فقد كان بارا بقلبي، عطوفاً به، كما كنت أنت، لم يعمِ بصري، ولم يطمس على بصيرتي، لتُعمى عن نعمة وجود هؤلاء الأصدقاء والنعم الأخرى العظيمة التي بقيت لديّ بعد فقدك، ليعود الرضا مطمئنا إلى عشه في قلبي، بعد أن شرّده العلم بخبر رحيلك إلى الأبد.

شكراً لحزنك الذي تركني وديعة للفرح بما تبقى لدي بعدك!

back to top