الكلاب... هل تتوقّع النوبات المَرَضية؟

نشر في 05-08-2017
آخر تحديث 05-08-2017 | 00:04
No Image Caption
حين ينبح الكلب الأصفر أنجيل المنتمي إلى فصيلة اللابرادور في منزل سارة سبيشت، يبدأ العد العكسي! يجب أن تجد ابنها هانتر البالغ من العمر 7 سنوات قبل أن تمرّر مغناطيساً صغيراً على جهاز تحفيز العصب المبهم المزروع على صدره. يشكِّل الوقت عاملاً محورياً في هذه العملية لأن الأم لا تملك إلا دقائق معدودة لإعاقة إحدى النوبات المَرَضية التي ستصيب ابنها.
كان هانتر في الثالثة من عمره حين شُخّص لديه مرض الصرع في عام 2013. كان يُصاب بفصول مَرَضية في 95% من اليوم (وطوال الوقت خلال نومه)، وكانت حالته تترافق مع مجموعة مختلطة من النوبات تجعله يحدّق في الفراغ ويهزّ ذراعه. حتى أن عضلاته كانت تتصلّب لدرجة أن يسقط أرضاً كلوح خشبي، أو تلين لدرجة أن «يصبح شبيهاً بالنودلز الطرية»، بحسب أمه سارة سبيشت.

بفضل جهاز تحفيز العصب المبهم، أصبحت إعاقة معظم نوبات الفتى ممكنة تلقائياً عن طريق نبضات كهربائية يبثها الجهاز. لكن لا يلتقط الأخير الإشارات كافة، إذ يصاب هانتر بعشر نوبات تقريباً يومياً. ويمكن إيقافها أو تخفيف حدتها على الأقل عبر تدخّل يدوي (من خلال تمرير مغناطيس على الجهاز المزروع). تتضح فائدة الكلب أنجيل بالنسبة إلى سبيشت في هذا المجال تحديداً.

يثق عدد كبير من المصابين بالصرع بكلاب مثل أنجيل. ثمة سلوكيات خاصة تدرّبت عليها، كالنباح واللعق، هي بمنزلة مؤشرات تحذيرية واضحة ضد نشاطات محفوفة بالمخاطر كالاستحمام أو صعود السلالم أو قيادة السيارة. في حالات شبيهة بوضع سبيشت، تطلق الكلاب تحذيراً مسبقاً يسمح بتجنب النوبة قبل بدايتها.

لكن رغم هذه القصص المبنية على تجارب شخصية، لا يتوافر إثبات على إمكان تدريب الكلاب على رصد النوبات، من ثم توقع حصولها قبل مدة كافية وإبلاغ البشر باقتراب وقوعها. حتى المدرّبون لا يضمنون أن تتمكّن كلابهم من رصد بعض النوبات، ولا وجود لتنظيمات تضمن أن تتدرب الكلاب بالشكل المناسب أصلاً.

د. غاري ماثيرن، جراح أعصاب في مستشفى «ماتل» للأطفال في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، يقول في هذا الشأن: «يحمل أي جهاز كشف فاعل منافع إيجابية. لكن تتعلّق مسألة عالقة أساسية بالنسبة إليّ كطبيب بالتأكد من فاعلية الكلاب في هذا المجال».

تدريب مكلف

يرتفع الطلب على الكلاب رغم المسائل العالقة بشأن درجة فاعليتها. خلال سنة، ستعمد منظمة

4 Paws for Ability التي درّبت الكلب أنجيل إلى الجمع بين مئة كلب ومجموعة من الأولاد، وستكون 40% منها مدرّبة على إطلاق تحذيرات بشأن نوبات مرتقبة.

بالنسبة إلى كثيرين، تستند الفكرة القائلة إن الكلاب تستطيع رصد النوبات إلى قدرتها على استباق الأخيرة بناءً على حاسة الشمّ لديها. ويظن بعض المنظمات أن بالإمكان تدريبها على رصد الإشارات، بينما تتحدّث جهات أخرى عن ضرورة أن تولد الحيوانات وهي تحمل هذه المهارة. توضح Canine Partners For Life مثلاً أن ثمة كلاباً دون سواها تستطيع أداء هذه المهمة. تقول سوزان غاي، الرئيسة التنفيذية للعمليات في المنظمة، إن مهارة الكلاب فطرية على ما يبدو، ما يلغي إمكان التدرّب على رصد مؤشرات النوبة بأي شكل.

تتلقى Canine Partners for Life أكثر من ألفَي طلب سنوياً للاستفادة من خدمات الكلاب. يقع مقرها في منطقة «كوشرانفيل» الريفية في جنوب بنسلفانيا وتطلّ المنشأة على مساحة مفتوحة شاسعة. هناك، تنعم الكلاب بحياة جيدة قبل أن تبدأ عملها. يتقاسم كلبان كل زريبة داخلية، وتشمل كل واحدة منها أسرّة للكلاب ومنطقة للعب. كي تعتاد الكلاب على تلك البيئة، يلعب معها متطوعون في «غرفة العناق» التي تحتوي على كنبة وكتب وسجادة وتلفزيون. إلى جانب مكتب الطبيب البيطري تقع «غرفة الهدوء»، وهي عبارة عن مساحة فيها أضواء خافتة حيث تستطيع الكلاب أن تسترخي على وقع الموسيقى الكلاسيكية.

حين يلاحظ المدربون جرواً له أنف دقيق بشكل خاص، يخضعونه لاختبار بسيط: يصطحب رجل محلي مصاب بالصرع الكلب ويراقبه خلال عطلة نهاية الأسبوع. يستطيع الرجل في منزله المريح أن يتأكد من قدرة الكلب على تغيير سلوكه خلال الدقائق التي تسبق إحدى نوباته. إذا حصل ذلك، يكون الكلب مرشّحاً للمشاركة في التدريب الخاص بعد فترة الرعاية الأولية.

قبل أن يتخرّج الكلب في مدرسة رصد النوبات، يجري العمل على اختيار صاحبه الجديد. أرسلت سبيشت من جهتها قميصاً كان هانتر يرتديه خلال إحدى نوباته إلى منظمة أخرى،

4 Paws For Ability، حيث تدرّب أنجيل. تقول مؤسِّسة المنظمة كارين شيرك إن كلابها تتدرّب على رصد النوبات عن طريق الروائح، معترفةً بأنها جمعت بين أنجيل وهانتر بناءً على شخصية الطفل وفيديو من حياته اليومية وحاجاته الموثقة في استمارة ملأتها والدته.

يتطلّب تحضير الكلاب وقتاً طويلاً وجهوداً مكثفة، وتقول شيرك إن كل واحد من كلابها يكلّف 26 ألف دولار سنوياً بين التدريب والطعام والمسكن.

بحسب أحقية المدرّب والمريض بتلقي المساعدات المالية، تكون خدمات الكلاب المدرّبة على رصد النوبات مجانية، أو يمكن أن تصل كلفتها إلى 20 ألف دولار. تعتبر «دائرة الإيرادات الداخلية» أن الكلاب المدرّبة بمنزلة «معدات طبية مستدامة»، من ثم يمكن تخفيض النفقات الطبية مع أن التأمين الصحي لا يغطّي هذه الخدمات.

يلجأ المرضى إلى جمع تبرعات خاصة غالباً بمساعدة أصدقائهم وأفراد عائلاتهم. تتراوح الكلفة التي تفرضها منظمة Canine Partners for Life بين ألف و3 آلاف دولار مقابل كل كلب مدرّب تربّى طوال سنة في مركز الرعاية وتلقى تدريباً خاصاً. أنشأت المنظمة قاعدة قوية من الجهات المانحة (يشتق 65% من عائداتها من واهبين فرديين في أنحاء البلد)، لذا تستطيع أن تبيع الكلاب مقابل كلفة متدنية نسبياً.

لكن حتى لو استطاع المرضى أن يجمعوا التبرعات، لن تبيع منظمةCanine Partners for Life كلابها المدرّبة لأحد، لا سيما الأولاد تحت عمر الثانية عشرة وبدرجة أقل الأطفال بعمر هانتر. يتعلّق السبب، بحسب غاي، بضرورة أن يكون المستفيد من الخدمة مستعداً لإقامة رابط فاعل مع الكلب المدرَّب. ربما يتعامل الصغار مع الكلاب وكأنها حيوانات أليفة بدل أن تكون شريكة لهم، ما يؤدي إلى إضعاف مهاراتها وحوافزها.

في حالات مماثلة، يلجأ بعض الأهالي إلى منظمات أخرى. أطلقت سبيشت محاولات عدة لكن رُفِض طلبها من منظمات كثيرة مثلCanine Partners For Life قبل أن تجد منظمة مستعدة لتقديم كلبٍ يستطيع مساعدة هانتر. بعد شهرين على تشخيص الصرع لدى ابنها، علمت أن منظمة 4 Paws For Ability ستعطي هانتر كلباً مدرَّباً على رصد النوبات. وافق فريق شيرك على البدء بتدريب كلب حالما دفعت له سبيشت 15 ألف دولار.

تأسست المنظمة في عام 1998 وتملك اليوم مئات الكلاب التي تنشأ في مراكز ومدارس محلية. بالإضافة إلى الكلاب المدرّبة على رصد النوبات، تقدم الشركة أيضاً كلاباً متخصصة بالسكري والتوحد. تقول شيرك إنهم لا ينظرون إلى تشخيص المرض فحسب بل تتدرب الكلاب أيضاً على التعامل مع مشاكل محددة وعلى طباع كل طفل. حين تدفع العائلات 15 ألف دولار، لن تندرج أسماؤها على لائحة الانتظار بل يتم اختيار كلبٍ يُنتَظَر أن ينهي التدريب بعد 18 شهراً.

أسئلة عالقة

لا ترتكز أنظمة تدريب تلك الكلاب على دراسات علمية بالضرورة. لم تجد الدراسات القليلة التي جرت على الكلاب المدرّبة خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين أدلة جازمة حول قدرة تلك الكلاب على رصد النوبات. لكن يوضح د. ماثيرن: «بناءً على خبرتي الخاصة، لم تكن تلك الدراسات دقيقة جداً ولم تخضع الكلاب للاختبار ضمن تجارب عشوائية مناسبة».

نُشرت إحدى الدراسات في عام 2004 وخضع خلالها دماغ مريضَين لمراقبة مستمرة عن طريق الرسم الكهربائي للدماغ فيما كان كلباهما المدرّبان يجلسان بالقرب منهما. لم يستطع أيٌّ من الكلبين أن يتوقع حصول النوبات بدقة. لكن يصعب تعميم استنتاجات الدراسة لأنها استعملت عيّنة صغيرة جداً.

تدّعي دراسات أخرى أن الكلاب تستطيع أن تنذر أصحابها قبل ساعة من وقوع النوبة، لكن اتكلت تلك الدراسات على استطلاعات شارك فيها المرضى ولا يمكن اعتبارها جديرة بالثقة في بعض الحالات، أو تولّت المنظمات التي تُدَرّب الكلاب صياغة التقارير ومن المعروف أنها تستفيد من نشر استنتاجات إيجابية.

لم يستطع الباحثون أن يحددوا كيف تستطيع الكلاب أن ترصد النوبات قبل دقائق أو حتى ساعات من وقوعها. يقول ناثانيل هول، مدير «مختبر بحوث وتعليم الكلاب» في جامعة تكساس للتكنولوجيا: «لا تتوافر بحوث حول هذا الموضوع. بل إنّها شبه معدومة لذا لا فكرة لدينا عن حقيقة ما يحصل».

يعتبر البعض أن الكلاب ربما ترصد إشارات كهربائية، كالموجات الدماغية غير الاعتيادية أو حركات سلسة لا يلاحظها البشر. لكن يتعلّق أبرز تفسير يقدّمه المدرّبون بقدرة كلابهم على تعقب الإشارات الكيماوية التي يطلقها الأشخاص الذين يوشكون على التعرّض لنوبة عن طريق الشم. يوضح هول: «ستكون الفرضية المبنية على دور حاسة الشم منطقية إذا كانت التغيرات البيوكيماوية تنتج رائحة يمكن أن يرصدها الكلب. لكن تبقى هذه الفكرة مجرّد فرضية على حد علمي. إذا حدّدنا طبيعة تلك الروائح، سنحقق إنجازاً حقيقياً».

ربما تعطي هذه المعلومات معياراً يستطيع الباحثون قياسه في الدراسات العلمية. بحث هول عن تمويل لإطلاق دراسات حول الروائح المرتبطة بالنوبات لكن لم يحالفه الحظ. لم تنطلق تلك الدراسات مطلقاً بسبب كلفتها، فقد تبيّن أن تدريبات الكلاب والسيطرة على متغيرات هائلة عملية مكلفة جداً. يضيف هول: «في النهاية، يرتكز رأينا عن حاسة الشم المدهشة لدى الكلاب على أدلة ضئيلة. إنه مجال مثير للاهتمام لأنه لا يزال غير مستكشف».

بدوره، ينظر مايكل ساب، المدير التنفيذي لمنظمة تدريب الكلاب Paws With A Cause في ميشيغان، بعين الشك إلى الادعاءات القائلة إن الكلاب تستطيع إنذار البشر باقتراب النوبات. بحسب تقديراته، مئة كلب في الولايات المتحدة كلها يتمتع بهذه القدرات المتطورة.

لا تدّعي منظمة «ساب» أن كلابها تستطيع رصد النوبات: «في حالات كثيرة، لا يمكن ترك المصابين بالصرع وحدهم لأن نوباتهم تطرح خطورة على حياتهم. من غير الأخلاقي أن نعطي الناس آمالاً زائفة ونخبرهم بأنهم يستطيعون أن يتّكلوا الآن على هذا الكلب كي يخبرهم باقتراب إصابتهم بنوبة».

حتى أن تلك الكلاب تسبب الأذى أحياناً: في إحدى الحالات ذكر الباحثون أن الكلب الذي رافق أحد المرضى أنذره قبل سبع دقائق من وقوع نوباته، لكن سرعان ما تبيّن أنها أعراض نفسية غير مرتبطة بالصرع، وزادت حدّتها بفعل تلك التنبيهات.

دراسات تدّعي أن الكلاب تنذر أصحابها قبل ساعة من وقوع النوبة
back to top