الغزو بين اليوم والبارحة!

نشر في 04-08-2017
آخر تحديث 04-08-2017 | 00:09
بعد 27 سنة نرى المشهد السابق لـ2/8/1990 يعيد نفسه، وبذات أدوات التحريض ونفس روح بث الكراهية وأسلوب الاصطفاف، مع إضافة بُعد التواصل الاجتماعي الذي استُغل مع الأسف الشديد لتغذية هذا النفَس المريض، وسبحان الله أن يتزامن هذه الجو الملبد مع كماشتَي الفساد وتبديد ثرواتنا المالية من ناحية والظروف الإقليمية المضطربة بشكل مخيف من ناحية أخرى، دون أن نستوعب درس الغزو القاسي، والله يستر من القادم!
 د. حسن عبدالله جوهر لم تختلف أجواء ما قبل 2/8/1990 عما نشهده اليوم من حالة احتقان شديد بين مكونات الشعب الكويتي من جهة وبين السلطة والعديد من الفئات الشعبية من جهة أخرى، ففي العلن كان المشهد البوليسي من الاعتقالات والحجز التعسفي هو السائد على نطاق كبير وزادت حدة هذا التصعيد بعد تنامي المطالبة بعودة الحياة الدستورية والمتمثلة في دواوين الاثنين، وفي العلن أيضاً كان الكويتيون يأكل بعضهم لحم بعض عبر المقالات وفي الدواوين حيث رائحة الطائفية تفوح من كل صوب رغم عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ومع ذلك فإن روح الكراهية والتخوين والتحريض كانت واسعة الانتشار.

أما في الخفاء فكان البلد بخيراته وموارده وأمواله العامة مستباحاً والفساد المالي في ذروته مع غياب مجلس الأمة وتعطيل الأجهزة الرقابية والصحافة المقيدة، ومن أبرز مظاهر هذا الفساد أزمة المناخ وتداعياتها وسرقة الناقلات والاختلاسات المليارية في الاستثمارات الخارجية، ومن يراجع أول تقرير لديوان المحاسبة صادر بعد التحرير يجد سلسلة من القصص الرهيبة عن حجم الفساد الذي لعب بخيرات البلد طوال المدة من عام 1986 حتى 1992، وهي ذات الفترة التي كان المجتمع الكويتي غارقاً خلالها في أتون الطائفية والصراعات السياسية!

ندعو جيل الشباب ممن لم يشهدوا حقبة الغزو العراقي وما قبله إلى متابعة الأعمال المسرحية التي جسّدت هذا المشهد الكويتي الكئيب وفي مقدمتها مسرحية "حامي الديار" ومسرحية "فرسان المناخ" ومسرحية "هذا سيفوه" التي نتمنى من فناننا القدير عبدالحسين عبدالرضا إعادة عرضها بنفس أحداثها ودون رتوش فقط لتوثيق تلك الحقبة الزمنية، لأنها المسرحية الكويتية التي لم يتم تسجيلها لأسباب مجهولة ولعل من بينها قرار إيقاف عرضها من قبل الحكومة!

هذه الصورة المخزنة تختزل الظروف الداخلية والإقليمية الخطيرة والحساسة التي كنا جميعاً كمواطنين وسلطة سياسية في أتونها، وكانت تقلبنا ذات اليمين وذات الشمال حتى ختمها صدام حسين بجريمة الغزو والاحتلال حيث أفاق الكويتيون من سباتهم عشيتها وأدركوا كم كانوا في أعلى مستويات الغفلة والسذاجة وكم كانت القلوب متحجرة والآفاق المستقبلية عندهم معدومة ولم يقدروا نعمة الأمن والأمان ونعمة وجود وطن يحتوي الجميع مهما اختلفوا وتباينوا في الرأي والموقف ومهما اختلفت انتماءاتهم وجذورهم والفكرية والسياسية.

وسبحان الله فقد حدث انقلاب جذري في المواقف وقبلها في النفوس والمشاعر وبقدرة قادر وبين عشية وضحاها لم يتحول الكويتيون إلى كتلة وطنية في تكاتفهم وتعاضدهم وحرص بعضهم على بعض فحسب، بل اختلطت دماؤهم على أرض الكويت المقاومة وحلقت أرواحهم في السماء من أجل نفس الوطن الذي كانوا يزايدون، بعضهم على بعض، في الولاء له والانتماء إليه.

بعد 27 سنة من هذا الحدث المزلزل نرى المشهد السابق لـ2/8/1990 يعيد نفسه، وبذات أدوات التحريض ونفس روح بث الكراهية وأسلوب الاصطفاف، مع إضافة بُعد التواصل الاجتماعي الذي استُغل مع الأسف الشديد من أجل تغذية هذا النفَس المريض، وسبحان الله أن يتزامن هذه الجو الملبد مع كماشتي الفساد وتبديد ثرواتنا المالية من ناحية والظروف الإقليمية المضطربة بشكل مخيف من ناحية أخرى، دون أن نستوعب درس الغزو القاسي، والله يستر من القادم!

back to top