وأيضاً وحدك كما كنت

نشر في 30-07-2017
آخر تحديث 30-07-2017 | 00:00
 ناصر الظفيري ليسمح لي القارئ أن أستعيد معه هذه المقالة التي نشرت في أكتوبر 2015 ومازالت تناسب حال الفلسطيني اليوم. الفلسطيني الذي كان وحده، وسيبقى وحده. يزرع طين الأرض برتقالا ومناضلين، ويحصدها شهداء وجرحى ومعتقلين.

هو وحده الآن، وربما كان وحده من قبل، وسيبقى وحده إلى حين. هو قوي وحده، وقوي كما كان من قبل، وسيبقى قويا. هذا الفلسطيني الذي أدمن الوحدة كان خطأه الأول هو الظن. وظنه كان الإثم كله. كلما أرسل عينيه إلى أفق قريب خانته المسافة، وكان الأفق أبعد من أن يدركه. أخطأ كثيرا، وراهن على جميع الخيول الخاسرة، تسللت من بين يديه أحلامه، وعاد وحيدا كما كان.

قاتل لوحده منذ آخر حرب خضناها معه، وحوصر وحده حين صدئت بنادقنا، التي لم نتذكرها إلا في القتال بيننا. وتشرد في داخله، كما تشرد في خارجه. واقتتل مع ذاته، كما اقتتلنا بيننا، لكنه ينهض دائما أقوى، وينتفض كلما غدره عدوه. وها هو الآن وحده يقاتل بيدين عاريتين كما قاتل من قبل.

ها هو يخرج من أدبياتنا كما خرج من أولوياتنا، كان يأتي أولا حينا، ويأتي ثانيا أحيانا، لكنه لم يعد في الترتيب الآن. هو خارج حسابنا، وهو خارج حساباته الشخصية، يصارع نفسه كمن يريد أن يقضي على نفسه، يتشظى في داخله بين قطعتي أرض تتنازعان بينهما على وهم البقاء.

كثيرة جراحات الفلسطيني، داخله وخارجه، لكنه قادر أبدا على اختلاق الصبر وابتداع الحجر ومنحه لغته وقدسيته والانتماء إليه سلاحا وحيدا حين يحاصره البر والبحر. ونحن نبتعد عنه الآن أكثر تحت وطأة الانهيار المريع الذي نعيشه، فلا نمتلك له سوى الدعاء البخيل. لم يعد قضيتنا الأولى والمركزية كما كنا ندعي. نحن الآن صرحاء جدا معه. اذهب في نضالك وحيدا، فلم نعد نجيد حتى النشيد الذي يشحذ همتك. غادرت القصائد وخطابات التنديد والشجب التي كنا نجيدها، غادرت البنادق والمعلقات العشر وأخبار الصفحة الأولى وقنوات الأخبار. غادرت الحديث المجرد عنك، وغادرت حتى الدعاء لك. لم تعد هنا، ولم نعد نحن هنا أيضا.

اذهب وحيدا حتى ننهي قتالنا ونرتوي من دمنا، فليس لك إلا أنت. وأنت جميل لوحدك، أكثر عنادا وأشد بأسا، وليس لك أن تعذرنا كما كنت تفعل، فلم نعد معك. نحن يا سيدي أشد وهناً من الوهن، ومحاصرون مثلك، وخائفون من غدنا، الذي لم تخف منه يوما. هذا الوطن الذي كنت قلبه وخاصرته ورئته المثقوبة يتداعى وتقطع بقية أعضائه، هذا الوطن الذي بدأ يخاتله الطغاة والجيوش الغريبة، ويهجره أبناؤه إلى المستحيل لا يمتلك شيئا يمنحه لك، فلا تعول عليه كثيرا.

وحدك كنت ووحدك ستبقى. حجارتك التي أرهبت عدوك لن تبخل بها الأرض عليك. انتظرتنا يا صديقي عقودا طويلة، ولم نأتِ إليك، فلا تنتظر أكثر. خض حربك بما تيسر، وخض حربك وحدك. خض حربك بمن تلده أمك، واصنع قصيدتك الجميلة وحدك، وقاتل كما يليق بك دائما، وكما يليق بتاريخك الطويل في القتال. واجمع شتاتك وانتصر لنا وعنا. وتذكر دائما أنك وحدك حين يتخلون عنك الذين تاجروا بك منك ومنا.

back to top