جاسبر الكندية... حيث ما زال السكون ممكناً

نشر في 28-07-2017
آخر تحديث 28-07-2017 | 00:00
قبل نحو 25 سنة، قمنا أنا وزوجتي برحلة إلى منتزه بانف الوطني. أقمنا فيه بضعة أيام وأحببناه بالتأكيد. كانت هذه أول مرة نزور فيها ألبرتا، وقدنا السيارة إلى بحيرة لويز على بعد نحو ساعة شمالاً، حيث تناولنا الطعام في قصر بحيرة لويز الشهير، وتنزهنا سيراً على الأقدام على طول درب {بحيرة لويز الفعلية} الذي لا يقل شهرة، ثم توجهنا شمالاً مجدداً على طريق المنتزهات {أيسفيلدز} وصولاً إلى منتزه جاسبر الوطني.
في جاسبر، استأجرنا كوخاً متواضعاً يطلّ على مناظر خلابة من الجبال والمياه والأشجار. جلسنا على الشرفة الأمامية يداً بيد ورحنا نحدق في الجمال المحيط بنا ونصغي بهدوء. كذلك قمنا بنزهة قصيرة. لم نبقَ سوى ليلتين، إلا أننا أدركنا أننا أخطأنا في تنظيم رحلتنا.

دعوني أوضح أن ما من خطب في منتزه بانف الوطني أو بلدة بانف داخله. مناظر ذلك المنتزه خلابة. ولا شك في أن فندق {بانف سبرينغز} الشبيه بالقصر (يقع أحد فنادق فيرمونت التي لا تقل فخامة عن فندق Chateau إلى الشمال، فضلاً عن نزل منتزه جاسبر الأصغر حجماً أبعد قليلاً) يستحق شهرته عن جدارة. كذلك تستطيع تناول أفخر الأطباق في بانف وتشتري ما تشاء. ويُعتبر التزلج في الشتاء في هذه المنطقة تجربة فريدة. نتيجة لذلك، يقصدها سنوياً نحو 4 ملايين سائح. وثمة أسباب وجيهة تدفع كثيرين منهم إلى التوقف ولو قليلاً عند بحيرة لويز.

وبعد نحو 290 كيلومتراً إلى الشمال يصلون إلى جاسبر، إن خطرت على بالهم.

يذكر تود نوبل: {يصلون بعد ذلك إلى هنا ويقولون: يا إلهي! كان يجب أن نخصص وقتاً أطول لجاسبر}. لا يدركون هذا الواقع إلا بعد بلوغهم جاسبر.

كلام نوبل مبرر لأنه المدير العام لمؤسسة Jasper SkyTram، التي تنقل الناس بكلفة زهيدة على دفعات إلى ارتفاع 2286 متراً في جبال ويستلرز وتعيدهم. لذلك من مصلحته أن يردد هذا الكلام.

على غرار كثيرين في الأماكن السياحية الموسمية، يعمل مايكل غير في وظائف عدة في جاسبر. عندما لا يكون منهمكاً في ورشات تصوير فوتوغرافي أو مشاريع تصوير حرة، يقوم بما يلي.

يذكر غير، الذي راح يوجّه بهدوء أثناء كلامه قارباً مطاطياً ضخماً يحمل راكباً وكلباً اسمه جنجر بين الصخور ودوامات الماء في شلالات نهر أثاباسكا السريعة المصنّفة من الفئة الثانية تقريباً: {هذا أمر ممتع لأن قصة قدومي إلى جاسبر لا تختلف كثيراً}.

تخييم وصور

عندما كان هذا الشاب، الذي ولد في أوتاوا، في سن المراهقة، سافر مع عائلته عبر كندا إلى جبال روكي. لكنهم لاحظوا أن بانف مكتظة جداً بالسياح وأن الطقس ماطر (لا مفر من الحشود، أما المطر فكان مصادفة). لذلك قرروا تقليص عطلتهم هنا من أسبوع إلى ثلاثة أيام. ولكن في جاسبر...

يخبر غير: {حظينا بموقع تخييم ممتاز يعبره جدول. وكانت الغابة مذهلة والطقس جميلاً، فأحببنا كل ما في جاسبر. نتيجة لذلك، علقت هذه المنطقة في رؤوسنا جميعاً. وعندما غادرنا أنا وأختي المنزل، انتقلت أمي للعيش هنا. وما هي إلا فترة قصيرة حتى تبعتها أختي}.

حذا {غير}، الذي يبلغ اليوم الحادية والأربعين من عمره، حذوهما، وما زال مقيماً في جاسبر. هذا الموسم العاشر الذي يقود خلاله قوارب شركة Jasper Raft Tours.

يؤكِّد: {أعشق هذا المكان}. ويحبه الجميع ما إن يزوروه مرة واحدة. رغم ذلك، يجذب منتزه بانف الوطني، الذي تبلغ مساحته نصف مساحة جاسبر، ضعف عدد الزوار.

يعزو الجميع ذلك في جزء منه إلى موقع بانف. يقع أقرب مطار دولي لبانف (عدد سكانها 8 آلاف نسمة) في كالغاري على بعد نحو ساعتين عن المنتزه، في حين يقع أقرب مطار دولي لجاسبر (عدد سكانها 5 آلاف نسمة) في إيدموند على بعد نحو 4 ساعات عن جاسبر. كذلك تفصل جاسبر عن بحيرة لويز مسافة 232 كيلومتراً تقريباً.

يوضح نوبل: {تحتاج من بحيرة لويز إلى جاسبر مباشرة نحو ساعتين ونصف ساعة بالسيارة}. لكنه ينصح الناس بأن يخصصوا لهذه الرحلة يوماً كاملاً. ربما يظنون أنه مجنون، إلا أنه ليس كذلك. يضيف: {ستتوقف كل كيلومترين لالتقاط الصور، وتأمل المناظر، والاستمتاع بها. ستمضي يوماً مميزاً}.

حقل جليدي

لا شك في أنك ستتوقف في هذه الرحلة عند حقل كولومبيا الجليدي، وهو منبع ثمانية أنهار جليدية ويبعد عن جاسبر نحو 105 كيلومترات. منذ نحو عقد، يُقل بروس فريمان، الذي كان يعيش قبل زمن في فيلادلفيا، الناس بمركبات ضخمة إلى حافة الحقل الجليدي ويشرح لهم علم الجليد.

لكن هذا الحقل الجليدي، رغم جماله بما يتفرع منه من أنهار جليدية، يزداد سوءاً.

{في السنوات الخمس الأخيرة، لاحظنا اختلافاً كبيراً. نحظى بأيام مشمسة جميلة تنعكس سلباً على الأنهار الجليدية. تسخّن أشعة الشمس تلك الصخور}، وفق فريمان.

على غرار بانف، تضمّ جاسبر جبالاً، وشلالات، ودروباً، وبراري، وبحيرات، ومراكب للإيجار، وبالتأكيد دببة وإلكة وكباش الجبال الصخرية وحيوانات أخرى. فهذه منتزهات وطنية في جبال روكي الكندية.

ولكن ثمة اختلاف. تعرف بولا بوشامب، دليلة على أحد الدروب، بانف جيداً، بيد أنها ترعرعت في جاسبر وفيها تقيم. تقول: {في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، فرضت حكومتنا تجميداً على عمليات البناء في المنتزهات الوطنية. لكن بانف كانت ازدهرت. وصارت مكتظة جداً}.

وماذا عن جاسبر؟ لم تشهد ازدهاراً مماثلاً. فلا تزال هادئة والحياة فيها ساكنة بطيئة. يشير غير، الدليل على النهر: {جاسبر أحد أسرار جبال روكي المخبأة جيداً. فلا تخبروا أحداً عنها}.

لا شك في أنك ستتوقف في هذه الرحلة عند حقل كولومبيا الجليدي

في جاسبر جبال وشلالات ودروب وبرارٍ وبحيرات
back to top