«داعش» يلفظ أنفاسه لكنه سينهض إن لم نكسر الحلقة

نشر في 27-07-2017
آخر تحديث 27-07-2017 | 00:08
ما زال «داعش» أقوى مما كان عليه قبل تقدمه في يونيو عام 2014، إذ أصبح أقوى مع سيطرته على أراض كبيرة مما أتاح له جني المال وتجنيد أفراد من السكان المحليين بفضل نجاحه العسكري، لكنه ضعف كثيراً مقارنة بحجم قوته الكبير بعد سيطرته على ثلث العراق ونصف سورية.
 الغارديان قبل يوم من بدء طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من الموصل، تعرض لضربة يحتمل أن تكون قوية، لكنها سرعان ما ذهبت طي النسيان، فقد قاد الثوار السوريون المدعومون من تركيا "داعش" إلى خارج دابق، وهي قرية صغيرة في شمال سورية، حيث أعدم محمد إموازي، وهو متطرف بريطاني معروف بلقب جون الجهاد، عامل الإغاثة الأميركي بيتر كاسيغ.

مع صعود "داعش" عام 2014، عُرِفت المنطقة كمركز ترويج للتنظيم؛ ففي هذا المكان بالتحديد، وعد "داعش" باندلاع المواجهة الأخيرة بين قوى الخير وقوى الشر وهي معركة أسطورية من نبوآت القرن السابع، واستقى التنظيم من قرية دابق السورية اسم مجلته.

وبحسب توافق المراقبين والسياسيين، ما زال "داعش" بعيداً كل البعد عن الاضمحلال، غير أنه قيل القليل عن حجم الضرر الذي تسبب فيه التنظيم وتكبده، وفيما يلي، أربع نواحٍ قد توضح الصورة:

- خسر "داعش" الخلافة، لكنه فاز بمنظمة عابرة للحدود لم تكن تابعة له منذ ثلاث سنوات؛ فالقاعدة هي منظمة متمركزة بشكل واسع في العراق، ويأتي مؤسسوها من ساحات قتال مختلفة، وقد عُرِفت بأنها منظمة محلية حتى امتدادها إلى سورية في عام 2013 وتحولها إلى "الدولة الإسلامية" في صيف عام 2014، ومنذ هذا التاريخ يسعى هذا التنظيم إلى تطوير فروعه وخلاياه في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها.

- ما زال "داعش" أقوى مما كان عليه قبل تقدمه في يونيو عام 2014، إذ أصبح أقوى مع سيطرته على أراض كبيرة مما أتاح له جني المال وتجنيد أفراد من السكان المحليين بفضل نجاحه العسكري، لكنه ضعف كثيرا مقارنة بحجم قوته الكبير بعد سيطرته على ثلث العراق ونصف سورية.

- حتى اليوم، تعرف معاقل داعش في محافظة الأنبار بأنها مخابئ يعمل فيها التنظيم ويطلق منه هجماته رغم أن استعادة هذه المعاقل سهل، وتعتبر هذه المناطق الحدودية التي يمكن تصنيفها بـ"العاصمة الثالثة" لداعش بعد الموصل والرقة مركز استراتيجية عمليات الكر والفر ما بعد الخلافة، وهذه المناطق نفسها كانت مركز تقدم "داعش" في العراق وسورية في عام 2014.

في الختام، ينبغي الأخذ في الحسبان أن "داعش" قد كبد العراق وسورية الكثير من الخسائر على صعيد التنمية الاقتصادية، وبالفعل أحدث "داعش" أضراراً كبيرة في البنى التحتية واللحمة الاجتماعية في عدة مجالات، لذا ستريح خسارته المجتمعات المتضررة وتعطي آمالاً ببداية أفضل. طبعاً، ستزول الفرحة الغامرة وستتكشف كآبة واقع النزاعات والتوترات مجدداً في العراق وسورية.

وقد يقود التفاؤل الخاطئ الذي يترافق مع الإرهاق بعد نهاية الحروب إلى حسابات خاطئة، إذ يغمر الأفراد شعور ارتياح كبير عند تحررهم من "داعش" غير أن واقع بروزه عام 2014 مازال قائماً حتى اليوم لا بل لا ينفك يتضاعف. رغم ذلك، ليست العودة إلى الحلقة نفسها بمحتمة، وما زالت نافذة الفرص المتاحة للمجتمعات للابتعاد من حلقة العنف مفتوحة، لكنها ليست بدعوة للسياسيين الوطنيين والميليشيات التابعة للحكومة للتدخل، ولن تظل دائما مفتوحة، فإمكان العودة إلى الحلقة أيضا محتمل.

تم احتواء "داعش" إلى حد كبير باعتباره تهديداً داهماً، غير أن هذا الأمر لا ينبئ بنهايته، لكنه يعني أن أمام العالم اليوم فرصة التفكير بوضوح في الأسباب الجوهرية لبروز مثل هذه الجماعات وكيفية استئصالها.

غالباً ما تكون الجماعات المتطرفة ناشطة أكثر من الحكومات في استغلال المظالم المحلية، وقد بيّن "داعش" تكيفاً كبيراً في مواجهة الوقائع المتغيرة مقارنة بالقوات الأمنية، فسارع إلى إنقاذ دعايته فور خسارته في دابق وغير أهدافه. كانت دابق فرصة ضائعة تماما كالموصل.

تجدر الإشارة إلى أن العملية العسكرية في الموصل كانت مذهلة، حيث قاتلت قوات البشمركة للمرة الأولى إلى جانب القوات العراقية وأبقيت الميليشيات الطائفية خارج القتال داخل المدينة، غير أن العملية كانت قادرة على إحراز المزيد. توفر كل من الموصل والعراق فرصة رسم خريطة سياسية واضحة لعراق وسورية جديدين نظراً لقضايا سياسية مثيرة للجدل حول هاتين المنطقتين؛ ففيهما، تحظى كل من الولايات المتحدة والدول الحليفة بفرصة المشاركة في حوار حول المرحلة التي تلي تحريرهما من "داعش". في المقابل، يسيطر الخوف من أن يسود مجدداً الانقسام الطائفي والفساد الحكومي والعجز، أي الظروف نفسها التي ساهمت في بروز "داعش".

* حسان حسان

* (الغارديان)

back to top