في حضرة قاسم حداد!

نشر في 27-07-2017
آخر تحديث 27-07-2017 | 00:00
 مسفر الدوسري كنت وما زلت أحب القصيدة، وأرهب الشعر!

أحب القصيدة بقلب فراشة تعشق النار حدّ الاحتراق، فتُبعث من جديد لتَخلق من رمادها ألوان أجنحة أخرى لها، فتطير مجددا لتفنى بنار عشقها أو عشق نارها! أحب القصيدة بهذا الشغف الطفولي!

إلا أني أرهب الشعر، أعرف أن أقصى ما تعطيه غياهبه لصوت غرق، أغنية ريح!

في حضرة الشعر... تكبر تلك الطفولة فيني قبل الأوان، وتودّع العابها/ أخطاءها

تخبئوها فجأة تحت سجادّة وعيها، كل ما تملكه طفولتي أمام الشعر هو تلك السجادة القديمة اليدوية الصنع، والتي بالكاد تكفيني وتلك الطفولة للحد الذي نمدد خطواتنا عليها، مكتفيان بما وهبنا أفق تلك السجادة من السماء، ولكني أشك أبدا أن يكون أفقها كافياً لاحتضان سماء!

كنت وتلك الطفولة منذ أيام قليلة وجهاً لوجه أمام الشعر لأقدّم قاسم حداد في أمسية له في الكويت،

كان مطلوبا مني أن أقدّم الشعر للـ..الشعر!

كان ذلك مربكاً حدّ الاصطدام بزجاج نافذة اليأس برأسٍ عارٍ!

مربكٌ لحبة رملٍ أن تقدّم على غربال من طين، ماءَ شمسٍ به أصبح كل بصرٍ حيّأ؟!

مربكٌ لظل أن يتطاول ليطال قامة سماء؟!

كيف لمحارة عاقر أن تنجب درر الكلمات لتنشر ثياب البحر الزرقاء على حبل من الزَبَد؟!

كيف لأفق يضيق، أن يعرّف المدى؟!

كيف لنورس يهوى الضلالة،

أن يروي سيرة إيمان الموانئ وحكايا العابرين منها إلينا؟!

كيف أقدّم من قدّمنا لنا على جمر من الكلمات... فأنضجتنا؟!

سيل من أسئلة النور داهمتني لحظة أخبرني ذلك المجنون المسمى "صديقاً" عبدالله الفلاح بطلب قاسم حداد، وكنت مصرا على الرفض مقابل إصراره هو على الامتثال لطلب قاسم كما يسميه دائما، كانت إجاباتي على كل أسئلة النور تلك... عمياء، باستثناء واحدة!

هذه الاستثناء قالت:

نعم ومن غيره يفعلها؟! من سوى قاسم حداد يصغر لنكبُر، فيكبر بنا أكثر؟!

من بغيره نتطهّر إن أردنا الاغتسال من ذنوب صغرنا؟!

من سوى قاسم حداد يفتح بين أيدينا كتابه المقدس، ونحفظ منه سُوَرا لنقرأها في صلاة حبنا لعل دعاء لنا بعد الصلاة يُقبَل! أو ليست سورة "قل هو الحب" فاتحة تهجدنا آناء الليل، ويأمُنا "الدم الثاني" أطراف النهار؟!

"كنا نترك النسيان يأخذنا

على مهلٍ

لئلاّ نفقد السلوى...

لم نعرف مكاناً آمناً للحب"

حتى أتانا هذا "القاسم" حافي القدمين "يمشي مخفورا بالوعول" بصوفية عاشق لا تشبه صوفية العشاق الآخرين الذين لا يرون طريقاً للاتحاد بحبهم سوى الموت به، بينما هذا العاشق يرى أنه ليس سوى الحياة طريقاً للعروج، هذا هو صراط قاسم حداد المستقيم الذي قادنا من خلاله نحو: "البشارة"؟!

جاءنا قاسم حداد رسولاً يجسّد: بساطة الإيمان العميق ويرتّل لنا من "علاج المسافة" ما تيسّر من آيات شافيات من وساوس شياطين الطريق لنا!

من سوى هذا "القاسم" يحصننا بماء كبريائنا من شرور غرورنا؟!

ومن سوى قاسم حداد يطلب المُربك!

back to top