التسامي فوق الجراح

نشر في 25-07-2017
آخر تحديث 25-07-2017 | 00:09
هذه الكويت وهذه سياستها، عزة وشموخ، وبقيادة الكويت وأميرها ستتجاوز المنطقة ودول مجلس التعاون العواصف، وهي أكثر قوة وصلابة وتعاضداً، ستنتهي طوابير المداحين والمرتزقة وفرقة الردح, ونحن على يقين بأن قادتنا لن يرضوا بأن يسجل التاريخ أن صرح مجلس التعاون قد أصابه التصدع في عهدهم، فلنوقف هذا الخلاف ولنعِد الثعابين إلى جحورها خارج منطقتنا.
 يوسف عبدالله العنيزي طالعتنا الأخبار بأن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، قد طرح مبادرة إنسانية جديدة بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار مدينة الموصل والمناطق التي دمرتها الحروب والقتال على مدى سنوات أدت بالضرورة إلى قتل الآلاف وتدمير القرى والمدن في مغامرات طائشة.

لم تكن مبادرة سموه بالمفاجئة، بل كانت منتظرَة من "قائد الإنسانية" في العالم، بلقب لم يمنح لأحد من قبل، ولم يأتِ ذلك الاختيار من فراغ، كم هو رائع أن تقود الكويت الغالية مواكب الخير ومسيرة السلام من أجل أمن واستقرار ونمو العالم، هذا الوطن الصغير بمساحته الكبير بعطائه ومكانته والتسامي فوق الجراح، وهذا من شيم النفوس العالية، فهذه الكويت وهذا ديدنها لم تكن يوماً ما مصدراً للخلاف وعدم الاستقرار، بل كانت دائماً مبعث أمن وأمان.

ويخطر على البال رواية سمعتها من صديق عزيز عمل مع سمو الأمير على فترات طويلة من الزمن، يقول الصديق العزيز إنه في إحدى زيارات سموه إلى الاتحاد السوفياتي السابق لبحث موضوع طلب تزويد دولة الكويت بأسلحة روسية، وكان يرأس الجانب السوفياتي معالي السيد أندريه جراميكو وزير خارجية الاتحاد السوفياتي وقتئذ. نظر جراميكو إلى قائمة الأسلحة المطلوبة من الكويت ثم رفع رأسه قائلاً: "يبدو أن الرفيق الشيخ صباح ينوي احتلال العالم، فردّ سموه بكل ثقة، نعم رفيق جراميكو نريد أن نحتل ونقود العالم لا بالحرب والقتال، ولكن بالمحبة والسلام وأعمال الخير والإنسانية... نعم هذه الكويت وهذه قيادتها، كم هو رائع أن يقود هذا البلد الصغير بمساحته الكبير بمواقفه وعطائه العالم بأسره في مسيرة الخير والبناء لكل البشرية دون تفريق بين أبيض أو أسود، أو بين العقائد والمذاهب.

وعدت بالذاكرة إلى ذلك اللقاء المؤثر مع سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، وذلك لتوديع سموه بعد صدور مرسوم تعييني سفيراً لدى اليمن الشقيق، دخلت على سموه في مكتبه الصغير المتواضع في قصر بيان، فطلب مني أن أسحب كرسياً كان بجانب المكتب، ثم دنا وهو مطرق الرأس بتواضعه الجم وبدأ الحديث بلهجته الكويتية المحببة: "سعادة السفير... أبيك تقول لي شنهو اللي صار في الجزائر عندما كنت تتولى رئاسة البعثة أثناء غزو واحتلال النظام العراقي السابق للكويت، بدأت في سرد الأحداث، وذلك التسابق بين أطياف المجتمع الجزائري للوقوف ضد الكويت، وخصوصاً الجماعات الإسلامية التي بدأت تظهر على الساحة الجزائرية، ومنها جبهة الإنقاذ ومنظمة حماس الجزائرية، كان، رحمه الله، ينصت بعمق واهتمام لكل كلمة وعبارة، وبعد أن أنهيت كلامي بادرني بقوله: "سعادة السفير... ربك ما يطق بعصا وحوبة الكويت وأهلها ما راح تتعدى من وقف ضدها، وانت الحين رايح اليمن مو علشان ترمم الجسور اللي تصدعت بل علشان تبني جسور جديدة، راح تقرأ وتسمع كلام يغثك، بس لا تطالع، وراك لأن اللي يمشي وهو يطالع وراه يطيح، كفيت ووفيت... تقهويت، توكل على الله". خرجت من مكتب سموه وأنا أشعر بأن أوسمة قد رُصِّعت على صدري.

ومن باب الذكر فقط، فقد ترأست البعثات الدبلوماسية في ثلاث دول مما كان يسمى بدول الضد، الجزائر واليمن والأردن، وكان هناك رأي للعمل في بغداد، ولكن لم يتم ذلك. عند تقديم أوراق اعتمادي إلى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح نقلت إليه حديث سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، فقال بحماس: "نعم... نعم، صدق أخي الشيخ جابر، فقد دارت العجلة، وتقع على عاتقكم بناء الجسور الجديدة"، ثم أمر مدير مكتبه بتزويدي بأرقام الهواتف الخاصة، قائلاً: "أرجو ألا تتردد في الاتصال من أجل تسهيل مهمتكم في اليمن".

هذه الكويت وهذه سياستها، عزة وشموخ، وبقيادة الكويت وأميرها ستتجاوز المنطقة ودول مجلس التعاون العواصف، وهي أكثر قوة وصلابة وتعاضداً، ستنتهي طوابير المداحين والمرتزقة وفرقة الردح، ونحن على يقين بأن قادتنا لن يرضوا بأن يسجل التاريخ أن صرح مجلس التعاون قد أصابه التصدع في عهدهم، فلنوقف هذا الخلاف ولنعِد الثعابين إلى جحورها خارج منطقتنا، فكم هو رائع أن تتحقق أمنية كل أهل الخليج بأن تحتضن الكويت في القريب العاجل لقاء لقادة دول مجلس التعاون لينطلق بكل قوة نحو المزيد من التقدم والنمو.

حفظ الله دول مجلس التعاون... وحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

الكويت لم تكن يوماً مصدراً للخلاف وعدم الاستقرار بل كانت دائماً مبعث أمن وأمان

كم هو رائع أن تقود بلادنا الغالية مواكب الخير ومسيرة السلام من أجل أمن العالم واستقراره ونموه
back to top