إحباط عابر أم اكتئاب ما بعد الولادة؟

نشر في 20-07-2017
آخر تحديث 20-07-2017 | 00:00
No Image Caption
لا شك في أن الأمومة تجربة سعيدة، لكن يمرّ معظم الأمهات بلحظات من الإحباط بعد الإنجاب. مع ذلك لا بدّ من التمييز بين الإحباط العابر واكتئاب ما بعد الولادة. فيما يلي آراء الخبراء...
هل يخلط البعض بين الإحباط العابر واكتئاب ما بعد الولادة؟

يمكن أن يُستعمَل مصطلح الإحباط بشكل خاطئ لوصف المشاعر المختلطة التي تنتاب الأم الجديدة. صحيح أن المرأة تشعر باضطراب نفسي في الحالتين، لكنّ الإحباط مشكلة فيزيولوجية في المقام الأول بينما يحمل اكتئاب ما بعد الولادة طابعاً مَرَضياً.

يبدأ الإحباط بعد بضعة أيام من الولادة ويترافق مع آثار هرمونية قوية تزيد حساسية المرأة. في المقابل، يظهر الاكتئاب بعد بضعة أسابيع أو أشهر، ويدوم لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات... تكون المشكلة في هذه الحالة حادة للغاية. يرتبط الإحباط بوصول المولود الجديد وبالمسؤوليات المستقبلية، بينما يتعلّق الاكتئاب بالماضي ويتطلّب التصالح معه.

الإحباط العابر

هل من تعريف دقيق للإحباط العابر بعد الولادة؟

يرتبط هذا الإحباط بولادة الطفل. بعد ثلاثة أيام تقريباً على الإنجاب، تتراجع الهرمونات فجأةً في جسم المرأة ويرتفع في الفترة نفسها مستوى هرمونات أخرى. كما يحصل في أي مرحلة هرمونية قوية، تصبح المرأة أكثر عرضة للاضطرابات العاطفية والمزاجية، وقد تحصل أحياناً تقلبات جذرية.

هل يرتبط الإحباط بالتعب بعد الولادة؟

هذا صحيح! يسهل أن تضطرب المرأة بسبب التعب الشديد الذي يصيبها في الأيام الأولى التي تلي الولادة وتأتي عوامل أخرى لتعزز حساسيتها في هذه الفترة. يمكن تفسير المشكلة بأسباب جسدية: فراغ البطن، ليونة الأنسجة، أوجاع مرتبطة بالولادة (نزف، استعمال ملقط الجراح...). أو يمكن أن تتأثر الحالة بقلة النوم منذ ولادة الطفل أو بإيقاع الرضاعة والاعتناء به وبزيارات الأقارب المكثفة... يبرز أيضاً بعض العوامل النفسية مثل اكتشاف الذات واكتساب صفة الأم وإدراك حجم المسؤوليات المرتقبة خلال السنوات المقبلة...

هل يصيب جميع النساء؟

إنها مرحلة بيولوجية شائعة ولكنها ليست حتمية لأن لكل امرأة تاريخها الخاص وتتمتّع بقدرة تكيفية مختلفة عن غيرها. يُصاب بعض النساء بنوبة إحباط خلال بضع ساعات، أو يشعرن بحزن غير مبرر أو يمكن أن يصيبهن إحباط صامت لأيام متلاحقة.

ما أفضل مقاربة للتعامل مع نوبات الإحباط بعد الولادة؟

يجب أن تتذكّر الأم في البداية أن حالتها شائعة وعابرة. من الطبيعي أن تضطرب حين تفكر بأنها أنجبت كائناً جديداً في العالم، ويسهل أن تعتبر أبسط تعبير عاطفي مؤشراً على الإحباط نظراً إلى توسّع النقاش حول هذا الموضوع راهناً.

هل يجب أن تتكلم الأم عن وضعها إذا شعرت بالحزن؟

من الضروري أن تكون الأم الجديدة محاطة بأشخاص مقربين منها. يمكن أن يدعوها شخص موثوق به إلى التكلم بالموضوع الذي يزعجها، أو يمكنها أن تتحاور مع أمهات أخريات، أو تتصل في المساء بشخص ترتاح له لإخباره بوضعها. لكن لا بد من توخي الحذر لأن الإحباط قد يصبح قوياً في بعض الحالات. إذا كانت الأم وحيدة، يمكنها أن تقابل طبيباً نفسياً. ومن الضروري أن يطّلع الأب على وضع زوجته لأنه أفضل شخص قادر على دعمها.

اكتئاب ما بعد الولادة

ما الصفات التي تطبع اكتئاب ما بعد الولادة؟

تحمل هذه الحالة طابعاً مَرَضياً وترتبط على وجه التحديد بدخول طفل جديد إلى حياة المرأة. في هذه الحالة، لا تتعلق المشكلة باضطراب الهرمونات في جسمها بل بقوة الصدمة العاطفية والجسدية والنفسية والتاريخية ومدى تأثيرها في يومياتها طوال أيام وأسابيع وأشهر طويلة. في النهاية، قد يخرج الوضع عن السيطرة.

هل تعيش الأم اضطراباً نفسياً حاداً؟

تشكّل الرغبة في إنجاب طفل وحمله وجلبه إلى العالم وتلبية حاجاته الجسدية والعاطفية تجربة قوية جداً لدرجة أنها قد تجدّد الذكريات العائلية القديمة، وتصيب هذه الحالة الأم والأب على حد سواء. تتذكّر المرأة في هذه الفترة مستوى العطف الذي تلقّته في طفولتها وحجم الأمان المادي والنفسي الذي تمتعت به في الماضي. قد تغرق المرأة التي تشعر بتعب شديد في حالة من الاكتئاب بوتيرة تدريجية، تظهر بعد أسابيع أو أشهر من موعد الولادة. يشتقّ هذا الاضطراب من الماضي البعيد ويتسلّل إلى الحاضر تدريجاً ولا يقتصر على بضعة أيام، ولكن يمكن معالجته خلال أشهر عند تشخيص الحالة بدقة ومتابعتها بالشكل المناسب.

لماذا يصيب هذا الاكتئاب بعض النساء دون سواهنّ؟

لا يظهر الاكتئاب عشوائياً بل يكشف عموماً عن تراجع تقدير الذات وقلة الثقة بالآخرين نتيجة لتجارب صعبة على مستوى العلاقات مع الناس. تكمن المشكلة في ميل المحيطين بالأم إلى إنكار الاضطراب والإغفال عما يصيبها. يترسّخ هذا الوضع تلقائياً وسرعان ما تدخل الأم في دوامة لامتناهية لأنها لا تجد أي مخرج مناسب. يؤدي زوجها ووالد طفلها دوراً محورياً في هذا المجال، فيقدّم لها المساعدة أو يزيد وضعها سوءاً.

هل من مؤشرات تحذيرية؟

يصعب التأكد من اكتئاب ما بعد الولادة لأن الأم تخفي ما تعيشه غالباً خوفاً من أحكام الآخرين عليها، لا سيما أقرب الناس إليها أو الأمهات الأخريات في حياتها. كذلك تخاف من تشويه صورة «الأم الصالحة» التي ينسبها إليها المجتمع من حولها. قد تجد صعوبة في إنشاء رابط مع طفلها ولا يسهل أن تتحمّل هذا الوضع. لذا قد يتحوّل لقاؤها اليومي مع طفلها إلى محنة حقيقية فتشعر بأنها أم غير كفوءة وتعجز عن النوم بسبب أفكار سلبية تجتاحها من دون أن تجد حلاً مناسباً.

هكذا يتسلل الاكتئاب إلى حياتها تدريجاً ولا يتّضح إلا إذا قررت التعبير عن معاناتها وانزعاجها وعواطفها السلبية ووحدتها وعجزها عن تلبية حاجات الطفل وحدها.

حين تنهار الأم بالكامل، سيبدو الاضطراب مفاجئاً ومقلقاً جداً بالنسبة إلى المحيطين بها، لكن سيتحسّن الوضع في هذه الفترة لأن الأم بدأت تبدي مؤشرات واضحة على وضعها الصعب، من ثم يمكنها أن تتلقى المساعدة من المقربين منها. إنها أول خطوة على طريق التعافي. يزداد الوضع تعقيداً حين تصرّ الأم على التزام الصمت ولا تتلقى أي رعاية أو دعم أو علاج وتتمسك بأفكارها السيئة والمرعبة. لا تختفي هذه المشكلة من تلقاء نفسها مع مرور الوقت.

هل من تداعيات على الطفل؟

تنعكس معاناة الأم على طفلها والعكس صحيح. لا يستطيع المولود الجديد أن يستعمل الكلمات للتعبير عن وضعه ويتّكل طبعاً على قرارات الراشدين من حوله. تبدأ حياته العاطفية في هذه المرحلة وقد تشكّل الأسابيع والأشهر الأولى من حياته وضعاً مستمراً مؤلماً في نظره وقد يصاب بأمراض هضمية وجلدية. يمكن أن تكون هذه الحالات حميدة في البداية، لكنها تصبح مزمنة مع مرور الوقت فيضطرب نوم الطفل ويبكي باستمرار للتعبير عن انزعاجه أو يغرق في وحدة مؤلمة ويشعر بأنه متروك.

يتكيّف كل طفل مع وضعه بطريقة مختلفة عن غيره، إذ ما من طريقة موحّدة للتأقلم مع الظروف المستجدة في حياة الأطفال. صحيح أن الطفل «مرن» بطبيعته، ولكن يسهل أن يخترقه هذا العنف النفسي المؤلم. لذا لا بد من معالجة اكتئاب ما بعد الولادة من وجهة نظر الأم والطفل معاً.

هل يجب أن تتوقف الأم عن إرضاع طفلها إذا كانت مصابة باكتئاب ما بعد الولادة؟

يحتوي الحليب على الغذاء الضروري للطفل، لكن يكون الغذاء العاطفي بالغ الأهمية أيضاً ويشمل النظرات والأصوات والنوايا ونوعية الاهتمام والتواصل الروحي. يقال إن الطفل يتغذى من الحب أكثر من الحليب، لكن يبقى الأخير أساسياً طبعاً.

كذلك من المعروف أن مذاق الحليب الطبيعي الذي يتناوله الطفل يتغيّر بحسب نوعية الأغذية التي تأكلها الأم وبحسب عواطفها أيضاً. لذا يمكن أن تكون الرضاعة طريقة فاعلة لترسيخ العلاقة بين الأم وطفلها والحفاظ على الرابط البيولوجي بينهما. لكن الرضاعة ليست إلزامية بأي ثمن. عموماً، من الأفضل أن تحدّد الأم ما يناسبها وما تريده لطفلها.

الأم تخفي غالباً ما تعيشه خوفاً من أحكام الآخرين عليها
back to top