تخلّص من غرورك وافتح قلبك

نشر في 16-07-2017
آخر تحديث 16-07-2017 | 00:00
No Image Caption
الغوص في أعماق الذات من دون غرور، والانفتاح على الآخرين من دون أحكام أو توقعات سابقة، أفضل طريقة لعيش حياة تحمل معنىً قيّماً.
يجب أن نقتنع أولاً بضرورة عيش الحب والسلام والسعادة في الزمن الحاضر، واكتشاف معنى الحياة أو وجهتها أو محرّكها.

يطمح عدد كبير من الناس إلى إيجاد عمل أو الشفاء من مرض، لكن غالباً ما يتحرك أفق حياتنا بحسب إيقاعنا في عيشها وتحقيق رغباتنا. على صعيد آخر، تُعلّمنا الحياة اليومية أن الصحة الجيدة أو المنصب المرموق لا يكفيان لعيش السعادة الحقيقية.

يجب أن نبدأ بالتساؤل: أي دوافع تحركنا منذ استيقاظنا كل يوم؟ ما هي أعمق رغباتنا؟ أثبت أرسطو مثلاً أن كل تصرف من تصرفاتنا، مهما كان بسيطاً أو سخيفاً، يهدف إلى إيجاد السعادة. لتجنّب التخبّط المفرط في هذا المجال، يجب أن نستكشف فن الحياة ونمارس تمارين روحية تمنعنا من الهرب المتواصل وتجرّدنا من مشاعر الاستياء التي يمكن أن تزيد الاضطراب في قلوبنا.

خارج ذواتنا

لكن هل يجب أن نبحث عن معنى الحياة خارج ذواتنا عبر تقليد الآخرين، أم يجب أن نخترع طريقاً خاصاً بنا؟ تحدّث الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عن مخاطر الانغلاق على الذات والاكتفاء بحياة يومية غير صادقة والاختباء وراء أقنعة وأدوار ووظائف مزيفة.

لاكتشاف معنى الحياة، يجب أن نتحلى بالجرأة الكافية لتجاوز الأحكام المسبقة والغوص في أعمق أعماق الذات ومواجهة حقيقتنا ما وراء الجروح الداخلية والإسقاطات والتخيلات. لكن لا يعني التخلي عن الغرور تغيير الذات لأن الرغبة في التميّز عن الآخرين بأي ثمن تشير أيضاً إلى تبنّي معايير محددة.

للكشف عن معنى الوجود، لا بد من الانفصال أولاً عن «الأنا» الاستبدادية والتجرؤ على رؤية ما يكمن وراء الأقنعة الظاهرية. في خضم هذه المسيرة الوجودية، يقدّم نيتشه نصيحة قيّمة: حين نستيقظ، يجب أن نفكر بوضعنا عندما نعجز كل يوم عن إسعاد إنسان واحد على الأقل. إنها دعوة إيجابية لإعطاء معنى للحياة اليومية عبر الحد من النزعة المادية وتكريس الذات لفعل الخير من دون إيجاد مبرر لهذا السلوك.

كان الفلاسفة القدامى يقترحون مجموعة كاملة من التمارين الروحية للتحرر من الخوف والندم وعيش كل يوم وكأنه الأول والأخير في حياتنا. كذلك يستطيع كل شخص منا أن يحرز التقدم تدريجاً بفضل موارد نتلقاها يومياً.

3 ركائز

تبرز ثلاث ركائز في الحياة الداخلية لتطوير معنى الوجود:

• أولاً، ثمة حاجة مُلحّة إلى إيجاد طريق روحي واختيار وجهة معينة وتكريس الجسم والروح لها، من ثم المثابرة لتحقيق الهدف المنشود.

• ثانياً، لا يمكن تحقيق السعادة الحقيقية أو اكتشاف معنى الحوادث اليومية من دون تغذية الروابط العميقة والصادقة مع الآخرين. يتحدث بعض خبراء الفلسفة الروحية عن الصديق الذي يدعونا إلى التخلي نهائياً عن «الأنا» القديمة للمضي قدماً واكتساب الحرية وعيش حب غير مشروط.

• أخيراً، يتطلّب عيش السعادة الصافية شكلاً من السخاء والالتزام. لا تكون السعادة الفردية والمعزولة مثمرة أو قابلة للاستمرار على المدى الطويل. يعني عيش السعادة التخلي عن الغرور والخروج من «الأنا» المنغلقة التي تسبب لنا المعاناة. وتنشأ السعادة الحقيقية عبر مقابلة الآخرين ومبادلتهم الحب ودعمهم من دون مقابل.

معنى المعاناة

لو تطورت الحياة بلا معاناة أو مصاعب، كان البحث عن معنى الوجود ليصبح سطحياً أو خانقاً. لذا يجب أن نتساءل عن معنى المعاناة والفشل والجروح والصدمات. ويجب أن نتذكر أولاً أن الألم لا يتفاقم بل يزيد مرارتنا ويتوقف مساره على طريقة تعاملنا معه. إذا تحوّل معنى حياتنا إلى أفق مسدود وأجّج لدينا مشاعر الندم والاستياء، يجب أن نكتشف حينها المعنى وراء ما يحصل ونتجرأ على تقبّله.

ماذا لو اكتشفنا في داخلنا دعوة كامنة من شأنها أن تعطي معنىً حقيقياً للحياة؟ وبدل أن نُعوّل على مستقبلٍ بعيد المنال أو أفكار قمعية، من الأفضل أن نبقى واقعيين ونتمسك بالسخاء في تعاملنا مع الآخرين ونعيش الحاضر ونتساءل عما يمكن فعله لزيادة سعادتنا وحريتنا ومستوى حبنا. ولماذا لا نتساءل في المقام الأول عما يمكن تعلّمه من وجودنا في أوقات الفرح والحزن؟

لاكتشاف معنى الحياة، يجب أن نتحلى بالجرأة الكافية لتجاوز الأحكام المسبقة
back to top