قيرغيزستان... نموذج العلاقات الصينية-الروسية

نشر في 09-07-2017
آخر تحديث 09-07-2017 | 00:10
 ستراتفور . بينما تزداد روسيا والصين نشاطاً في وسط آسيا تشكّل قيرغيزستان نموذجاً لتفاعلاتهما المتطورة، ويُعتبر تدخل روسيا والصين الأمني المتنامي في قيرغيزستان منطقياً لسببين: الأول موقع قيرغيزستان التي يحدها من الشرق منطقة سنجان الكثيرة الاضطرابات في الصين، فضلاً عن قربها من دولة أفغانستان غير المستقرة أبدا في الجنوب، مما يعني أن خطر امتداد التمرد من تلك المناطق إلى هذا البلد يبقى مرتفعاً دوماً، وتبين أن قيرغيزستان أكثر عرضة للتمرد وخصوصا العنف الجهادي.

شراكة ذكية

الثاني أن روسيا والصين تريان في قيرغيزستان مصالح استراتيجية أشمل، فيشكّل هذا البلد عنصراً أساسياً في نطاق نفوذ الكرملين في مدار الاتحاد السوفياتي السابق، فمنذ استقلال قيرغيزستان عن الاتحاد السوفياتي، ظلت روسيا دوماً القوة الأكثر نفوذاً في البلد، وتحتفظ موسكو بوجود عسكري في هذا البلد منذ عقود من خلال قاعدة كانت الجوية قرب بيشكك. علاوة على ذلك تشكّل قيرغيزستان أحد حلفاء موسكو الأكثر وفاء، فهي أحد أعضاء الكتلة العسكرية في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تقودها روسيا، كذلك انضمت عام 2015 إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

روسيا في حالة تنبّه

صحيح أن روسيا والصين تجنيان فوائد متبادلة من توافقهما في المسائل الأمنية والاقتصادية في آسيا الوسطى، لكن موسكو لن تقبل باحتمال أن ينمو نفوذ أي بلد آخر في المنطقة ويزداد قوة، لذلك ستبذل روسيا على الأرجح جهوداً جبارة لتضمن بقاءها القوة العسكرية الأكثر سيطرة في قيرغيزستان، وقد حدث ذلك سابقاً عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، فسمحت بادئ الأمر بالوجود العسكري الأميركي في آسيا الوسطى ودعمته ليكون نقطة انطلاق في جهود الولايات المتحدة الحربية في أفغانستان، إلا أنها شعرت لاحقاً بالقلق حيال هذا الوجود وسهّلت إقفال قاعدة ماناس الجوية الأميركية في قيرغيزستان، وإذا اعتقدت روسيا أن عمليات الصين الأمنية والاقتصادية في قيرغيزستان تجري بخلاف مصالحها الخاصة، فقد تحاول موسكو، على نحو مماثل، التصدي للخطوات الصينية في البلد أو حتى عكسها.

قد لا ترغب الحكومة القيرغيزية من جهتها بأي تدخل روسي أو صيني في شؤونها، نظراً إلى طبيعة المشهد السياسي الكثير التقلبات في هذا البلد، فعلى سبيل المثال أعلن أتامباييف أنه رفض طلب روسيا الأخير بتوسيع قاعدة "كانت" الجوية، واقترح بدلاً من ذلك بناء قاعدة مشتركة مع روسيا على الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان. على نحو مماثل أفاد الأمين العام لمجلس الأمن القيرغيزي تمير جمعة قديروف أنه ما من مفاوضات رسمية بشأن إرسال جنود قيرغيزيين إلى سورية، كما اقترحت روسيا، مع أن مصادر غير محددة أشارت إلى أن هذه الخطوة لا تزال قيد الدرس.

يكفي أن نشير إلى أن روسيا لا ترغب مطلقاً في الحد من نفوذها في قيرغيزستان، ورغم تنامي الشراكة بين روسيا والصين في المسائل الأمنية والاقتصادية القيرغيزية، فإنه ما من ضمان يؤكد استمرار هذه العلاقة، فالعوامل عينها التي أدت إلى تزايد التعاون بين روسيا والصين في هذا البلد قد تكون السبب أيضاً في تفاقم التنافس بينهما في المستقبل. لذلك، حري بالمراقبين الذين يحاولون تتبع حالة العلاقات بين الصين وروسيا أن يبقوا أعينهم على قيرغيزستان.

back to top